بينما كل الوقائع والمُعطيات تؤكد فشل سياسات الاستهداف والعدوان والهيمنة الأميركية في منطقتنا وعلى امتداد الجغرافيا الدولية، تُبدي واشنطن مُؤشرات إضافية لا تُدلل إلا على غطرستها واستمرارها على المسارات ذاتها رغم تَلمسها آثار الفشل، ورغم إدراكها مَخاطر التداعيات التي ستَترتب على قيامها بتحديث مُخططاتها العدوانية، البديلة منها والجديدة.
تُعلن أميركا استعدادها للحوار مع روسيا بشأن معاهدة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، لكنها تَضع الشروط المُسبقة قبل الحوار، تَستمر بتوظيف فبركاتها بشأن استخدام السلاح الكيماوي في دوما، لاتهام جيشنا من جهة، ولتزوير الحقيقة من جهة ثانية، مع ما يَعنيه ذلك من توفير الحماية للتنظيمات الإرهابية، ولتبرير عدوانها مع شركائها ضد سورية والشعب السوري.
ومن أجل تحقيق غاياتها القذرة بهذا الاتجاه، تُواصل واشنطن هيمنتها على منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وتتلاعب بتقاريرها، تَسييساً وتَحريفاً وتَشويهاً للحقيقة والواقع، تُجدد لفَرض العقوبات ضد موسكو، وتُواصل تدخلها القذر والمباشر في أوكرانيا، ولا تَكتفي بتحريض الاتحاد الأوروبي التابع لها لفرض عقوبات جديدة ضد سورية، بل تَتهيأ لدعم المشروع الصهيوني الواهم لجهة تَهويد الجولان السوري المحتل، بإصدار قانون خاص يَعترف بضم الاحتلال للجولان، ذلك في تَحدٍّ للتاريخ والجغرافيا، وخلافاً للقرارات الدولية!
تُرسل برنار هنري ليفي إلى الجزائر للتَّخريب في ساحتها، وتَجعل ديفيد ساترفيلد يَتسلل خلسة إلى بيروت، وتَبدأ بعد تَسلُّمها 15 مليار دولار كدفعة أولى من أصل 110 مليارات بتنفيذ صفقة الصواريخ للمملكة الوهابية، تُهدد الصين، وتَعبث بين الهند وباكستان، تُؤجج نزاعاتهما وتَصب الزيت على نيران خلافاتهما. تَتفق مع اللص أردوغان بما يُحقق مَصالحهما المُشتركة بتوفير الحماية لمُرتزقتهما في سورية والعراق، ثم تُلغي نظام التجارة التفضيلية مع تركيا!
ما الذي تُريده أميركا؟ وما هذه القُدرات الخارقة التي تَعتقد امتلاكها بما يُتيح لها فعل الشيء ونَقيضه مع جميع الأطراف، بل حتى مع الطرف الواحد داخل منظومة شركائها؟ وهل تَعتقد أم تَتوهم أنها ستَبقى بمَنأى عن الخطر، مهما بلغت في مُمارساتها من مُستويات بإذلال شركائها والتلاعب بحلفائها؟
بيدها تُسهم واشنطن بصناعة النهايات التي لن تَتوقعها، إذ بتكثيف سياسات البلطجة تتقدم بسرعة كبيرة على الطريق الذي لن يَقودها إلا إلى التراجع توطئة للانهيار والتفكك، وإذا كانت نجاحات روسيا والصين، سورية وإيران والعراق واليمن ولبنان المقاوم، وقريباً فنزويلا، ولاحقاً كوريا، بالتصدي لمَشاريعها، قد جَعلتها تَتخبط على هذا النحو، فإنّ اكتشافها من أنّه لا قيمة للمُطبعين مع إسرائيل الذين تَعتمد عليهم وتَستخدمهم، سيكون اكتشافاً مُتأخراً لن تَنفعها بعده خطوات انكفاء ولا إقرار بالخطأ، وقد لا يَبقى لديها سوى خيار الانتحار أو التَّصالح مع مُعادلة جديدة، على أساسها يَنشأ نظام دولي آخر، رسمت سورية بصمودها ملامحه الأولى، ويَجري تَظهيرها حالياً بطي آخر صفحات العدوان في ريفي اللاذقية وحماة، وغداً في الجزيرة وإدلب.
كتب علي نصر الله
التاريخ: الأربعاء 6-3-2019
رقم العدد : 16925