لم يسبق لفكرة أن سيطرت على السياسة الخارجية لإدارة ترامب، وقادت إلى حافة الهوس، أكثر من الفكرة التي تقوم على إذكاء العداء ضد إيران، ذلك البلد الذي احتفل منذ أيام قلائل بالذكرى السنوية الأربعين لثورته، لكن على الرغم من حملة (الضغوط القصوى) التي تشنها واشنطن على طهران فقد كانت نتائجها محدودة ولم يحدث تغيير ملموس بالسلوك الإيراني، بل إنها انعكست بأضرار بالغة على علاقات أميركا الخارجية، الأمر الذي يحدو بها إلى اتباع نهج مغاير على نحو تام عبر الاعتماد الكامل على الدبلوماسية.
في العام الفائت، نكلّت الإدارة الأميركية عن التزاماتها بخطة العمل الشاملة المشتركة أو ما يعرف باسم الاتفاقية النووية الإيرانية، التي تعتبر الإجراء الأكثر أهمية الذي جرى التفاوض عليه بهدف منع تطوير السلاح النووي الإيراني لكون تلك الاتفاقية قد أغلقت جميع السبل الممكنة لتطوير السلاح النووي الإيراني، وقد أكدت لجنة التحقيق الدولية بأن الأبواب مازالت مؤصدة أمام أيّ تطور نووي، وذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية غير مرة أن إيران تمتثل بالالتزامات المتفق عليها، وأصبح من المسلم به أن تلك الاتفاقية قد حققت واقعاً أفضل مما كان عليه الأمر في السابق ذلك لأن الواقع يؤكد بأن إيران كانت قد تمكنت قبل إبرام الاتفاقية النووية من تطوير أجهزة الطرد المركزي بدرجة أكبر وتخصيب اليورانيوم على نحو أعلى.
قطعت إدارة ترامب وعداً بتقديم (اتفاقية أفضل) من الاتفاقية القائمة، لكن بعد مضي عدة أشهر من ممارسة الضغوط القصوى لم يقم أيّ دليل على تحرك أميركي باتجاه التوصل إلى مثل تلك الاتفاقية، لكن ذلك ليس بالأمر الغريب لأن الاتفاق النووي جرى التفاوض عليه بعد بذل الجهود الحثيثة والدعم دولي لرفع العقوبات عن إيران. لكن في الوقت الراهن فإن الولايات المتحدة، وليست إيران، من بات معزولاً. علاوة على ذلك، فإنه ليس ثمة قائد إيراني يمكن أن يذعن البتة إلى المطالب المتطرفة التي يطرحها بومبيو ويروج لها.
إن إقدام الولايات المتحدة على النكول عن اتفاق عقدته وأقرت به قد ألحق بسمعة الولايات المتحدة أضراراً بالغة وشكك في مصداقيتها حيال أي نتائج لمفاوضات يمكن أن تجري معها، وكان ذلك على الأقل في نظر الإيرانيين، وخاصة منهم المتشددين الذين كانوا منذ البداية يشككون بالموقف الأميركي ويحذرون من التعامل مع واشنطن التي اتسمت دوماً بالخداع والغدر.
تدّعي الإدارة الأميركية بأن ما تفرضه من عقوبات على إيران سيفضي إلى لجم سلوكها وسيقود بالضرورة إلى تغيير في السلوك الذي تتبعه في الشرق الأوسط، إلا أن دراسات حديثة أجرتها مجموعة الأزمات الدولية ودوائر الأبحاث في الكونغرس قد أكدت بأن العقوبات المفروضة لا ترتبط البتة بتقليص نشاط إيران الإقليمي بل وستبقى مستمرة على النهج الذي تتبعه في المنطقة لما يشكله ذلك من ضرورات أمنية لها.
إن إصرار الولايات المتحدة على عزل إيران أفضى إلى إبعاد واشنطن عن أية مشاركات دبلوماسية في الشرق الأوسط مقارنة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي دأب على إتباع أسلوب الروية والحكمة سواء مع الأصدقاء أو الأعداء. إذ كان لموقف الإدارة الأميركية الأثر البعيد في تهميشها كلاعب أساسي في المفاوضات بشأن مستقبل سورية، إذا ما تجاوزنا الوجود الأميركي في الساحة السورية، ولا ريب بأن الهوس والجنون الذي تمارسه أميركا ضد إيران قد ألحق الضرر بعلاقاتها مع حلفائها الأوروبيين الذين مازالوا يعلنون عن التزامهم وتأييدهم للاتفاق النووي الإيراني على الرغم مما لحق بهم من أذى جراء العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على طهران التي جعلت منهم هدفاً غير مباشر لحرب اقتصادية تشنها على ذلك البلد.
ثمة خطر قائم ومتوقع إزاء لجوء الولايات المتحدة إلى إذكاء العداء تجاه إيران الأمر الذي قد يسفر عنه حرب إيرانية أميركية. وقد يقدم الرئيس ترامب على إقرار مثل تلك الحرب التي تحظى بترحيب وتأييد من قبل مستشار الأمن القومي جون بولتون الذي ينظر إليها باعتبارها تشكل علاجاً للمشاكل الداخلية التي يتعرض لها الرئيس الأميركي. ولجب ذلك التوجه يتعين على الكونغرس أن يتبع ذات الأسلوب الذي نهجه مع مشروع القانون الذي طرحه السناتور توم أودال ذلك القانون الذي ينص على أن الإقدام على خوض مثل تلك الحرب يتطلب عرضها على الكونغرس لإقرارها بصورة مسبقة.
على الولايات المتحدة أن تعترف بأن إيران دولة مهمة ولاعبة أساسية في المنطقة وعليها أن تتعامل معها على نحو دبلوماسي. وفي ضوء تلك المعطيات يحب على الولايات المتحدة العودة عما اتخذته من قرار بالانسحاب من الاتفاق النووي والامتثال لبنوده وذلك قبل أن يتخذ الإيرانيون أنفسهم قرار الانسحاب من هذا الاتفاق. كما يتعين على الولايات المتحدة أن تجعل من هذا الاتفاق اساساً للتفاوض على أمور أخرى تهم بلادها على وجه الخصوص.
ترجمة: ليندا سكوتي
بقلم: بول بيلر
Tampa Bay Times
التاريخ: الجمعة 15-3-2019
رقم العدد : 16932