لم يكن العمل الإجرامي في نيوزيلندا الذي نفذه يميني متطرف حسب الخطاب الغربي خارجاً عن سياق لغة التحريض والكراهية التي كرستها مجموعة من المواقف الغربية، والتي توّجها وصول الرئيس الأميركي ترامب، الذي مثَّل ذروة الكراهية في خطاباته ومواقفه وتصرفاته ورمزية وجوده في البيت الأبيض.
فالمسألة ليست شخصيةً، ولا تصرفاً فردياً كما يروج الخطاب الغربي، ولا هي أقلية في المجتمع، بل تيارٌ بات يشكل موجة متصاعدة ومتزايدة، وجد من يغذيه على وقع سجالات، بدأت تحجز مقعدها وسط موجة من العداء للآخر، كانت تجد في المواقف المتشددة لقادة غربيين نماذج يعتدُّ بها المتطرفون، ويحاججون من خلالها على انعزالية نجد ترسباتها متجذرةً في العقل الغربي.
وبغض النظر عن التبريرات التي تم سوقها والتفسيرات المتعددة التي تمَّ تبنيها، فإن المشهد يأخذنا إلى ما هو أبعد، حين يحاول أن يعيد الأمور إلى المربع الأول في فهم التداعيات الخطيرة، حيث القتل والعنف والتطرف، تغذيه وترعاه مجموعة من القوى ذات التوجه العنصري ما بعد التشخيصي للحالة، وترمز إلى الصراع الذي عملت على إيقاده مجموعة من الأحقاد والضغائن التي ولدتها الأطماع والاحتكارات وقوى النفوذ الغربي.
الأخطر لا يكمن فقط في تلك الجريمة المروعة؛ بل في التفاصيل الملحقة بها، التي تفيض بشاعتها عن الجريمة ذاتها، وخصوصاً أن ما تركه المجرم كان مقصوداً بذاته، والاستدلال عليه من خلال التبعات التي ترسم صورة افتراضية عن تلك الكراهية الكامنة في المحاولة العبثية، لتسويغ الخطاب السياسي والإعلامي من تبعات الشبهة التي تلاحقه.
لا نريد أن نستعرض الاقتباسات المتخمة داخل الخطاب الغربي، التي تحضُّ على الكراهية، وتراكم من الحقد والضغينة تجاه الآخر، ولا أن نقف عند سيل من المقاطع الصوتية والتغريدات التي قام بها الرئيس ترامب على نحو محدد، والتي تفيض بكل هذا النسق من الدعوة المباشرة للكراهية، وإنما ما يعنينا أنَّ هذا الخطاب كان يولد تلك الاجتهادات التي حفلت بها تلك الاقتباسات، وترجمتها على نحو متزايد في الممارسة الغربية على مستوى الأفراد والجماعات.
المشهد برمته ينحو باتجاه محاولة التوظيف السياسي بلغة التبرير والإسهاب في الشرح للمفردات التي تحاول أن تصطاد في العلاقة بين الغرب والشرق، والغمز من قناة الأديان ودورها في تعميق الهوَّة، لنصل إلى النتيجة الحاسمة، بأن هذا الإناء من ذاك الوعاء، وما يفيض هو نتاج ذلك الخطاب الذي يتعاطى بفوقية مع المكونات الأخرى، ويتدرّج في تصنيفها إلى حدّ أنه ترك الباب للاجتهادات المغرقة في تطرفها، لتكون البديل الوحيد المتاح.
خطاب الكراهية المزري الذي يتفشى في أوساط الساسة الغربيين، قبل أن تصل عدواه إلى البقية الباقية من تيارات أعلنت سلفاً موقفها التحريضي ورفضها لوجود الآخر، تطرح معضلة الدور الذي لعبته تلك المجموعة من الساسة في ظل مقاربات تتجاوز السياسي، لتصل إلى الديني والاجتماعي والفكري بطابع تنظيري له رواده ومريدوه، وله إسقاطاته الخطيرة على الحوار بين الشعوب والدول والأديان والمجتمعات، باعتبار هذا الحوار هو الخاسر الأول في معرض الترويج لخطاب كراهية، تُشتمُّ منه رائحة صراع دموي، عملت الاحتكارات الغربية على الغوص في أوحاله.
بقلم رئيس التحرير: عـــلي قــاســـــــم
a.ka667@yahoo.com
التاريخ: الأحد 17-3-2019
رقم العدد : 16933
السابق