لاشك أن الدراما السينمائية موضوع مثير للجدل الدائم، وثمة تجارب وتيارات، في صياغة شروط الدراما وتنظيم علاقاتها بالفنون الأخرى. وبهذا الصدد صدر حديثاً وضمن سلسلة «الفن السابع» كتاب (الدراما السينمائية)، تأليف: سيمون فرايليش، ترجمة: غازي منافيخي.
وفيه يتناول الناقد والمؤلف فرايليش الجوانب المختلفة للعلاقة بين الكلمة والصورة السينمائية، من خلال رؤية تحليلية تعتمد على نماذج مختلفة من الأفلام، وأكثرها من الأفلام الروسية، ويلحظ المؤلف العلاقة المتينة بين السينما والمسرح، ويقدم لنا أفكاراً عن أهمية المونتاج، والعقدة والشكل الدرامي للفيلم.
ويعتبر الكتاب نموذجاً لأدبيات تيار سينمائي واضح المعالم، يستند إلى إرث إبداعي يمتد إلى نهايات القرن الماضي وبدايات هذا القرن، ويتمثل في أعمال تولستوي وتشيخوف ومدرسة ستانسلافسكي في المسرح وتجربة إيزنشتين في السينما.
ويذهب المؤلف في كتابه إلى محاكاة الحقيقة في السينما فيقول: بأنه حتى نجيب عن هذا التساؤل يجب أن نتطرق إلى الفرق بين المسرح والسينما… ففي المسرح لا ينتاب المتفرج أي تشويش فكري عندما يقف الممثلون في نهاية العرض المسرحي يحيون المتفرجين، ويكون من بينهم بطل المسرحية هاملت فقد رأوه يموت لتوه في مؤامرة حيكت ضده، أما في السينما فمثل ذلك يسبب تشويشاً لأن البطل والممثل في العرض النهائي هما واحد بالنسبة للمتفرج.
وتحت عنوان (دراما الموضوع في الفيلم) يرى المؤلف أنه في أي عمل فني مرسوم يتناهى إلينا وللوهلة الأولى متوسط الموضوع ونهايته، ويشكل التكوين فيه الوسيلة الأساسية للوصول إلى قرار التأليف، أما في الفيلم.. فالبداية والوسط ربط لقطات رائعة قد تكون بمجملها متجانسة، ورغم ذلك فالفيلم لايحتاج بالضرورة إلى هذا الإقرار مسبقاً.
ويوضّح فرايليش في فصل (الموضوع والمسار) أن مشكلة الموضوع والمسار مرتبطة بشكل المضمون، غير أنه لا ينبغي أن يفهم من ذلك بأن مسار المضمون لأي عمل هو شكل الموضوع، فالمسار والموضوع هما في الحقيقة الشكل للفكرة والمضمون لأي عمل إبداعي.. وعندما تحدث غوركي عن العناصر الأساسية للأدب وعن الموضوع في هذا السياق لم يتطرق إلى المسار لأنها في الأصل حدث أو واقعة، وهذا يجعل منه مساراً, ولقد ساق شكولوفسكي هذه المقولة في كتابه «ملاحظات عن شاعرية الروس الكلاسيكيين» إذ سجل لنا الملاحظة المهمة التالية: إن كلمة مسار تعني لديهم الحضور والتمعن بالحدث إضافة لتضمينه البحث من خلال الأسلوب الفني للسرد، ويفهم هنا من تعبير الحدث الوقائع التي تشكل معطيات الفكرة الأساسية… وحسب شكولوفسكي فإن الموضوع هو الشيء المراد إيصاله والإخبار عنه في العمل الفني وذلك من خلال أحداث ووقائع تعرفنا به.
أما في فصل (العقدة الدرامية) فيرى المؤلف أن الموضوع المحبب لأي سيناريو ولأي فيلم هو في توضيح الحالة أو الحالات الدرامية التي يورد النقاش الدرامي عرضها وتطورها وحلها، والمفاهيم في حياتنا الحقيقية هي التي تشكل مضمون العقدة، وإن قوة الفن ومجال وسائله التعبيرية تتأكد من مدى قدرتها على ضبط المفاهيم الحياتية وإيجاد الإمكانيات والأشكال الجديدة لتجسيد المجتمعات الإنسانية تجسيداً فنياً.
ويتساءل المؤلف ما هي دراما الفيلم؟ بعد كل ما قيل فإننا نفهم من تعبير دراما الفيلم أولاً المحتوى الحياتي للعمل وتصوير الواقع بكل جوانبه من خلال عقدة درامية، فلو تحدثنا عن دراما تولستوي ودراما تشيخوف أو دراما أوسترفسكي فتكون أمام أعيننا المضامين الفنية والعقائدية في أعمالهم والأفكار والمواضيع والعقد فيما أنجزوه.
والشيء الثاني الذي يفهم من الدراما للفيلم هو المبادئ الدرامية للسيناريو والتي يقدم المضمون وفقها، ثالثاً: يجب أن نفهم بأن مصطلح دراما الفيلم لا يتماشى مع السيناريو حتى النهاية إنما هو أشمل ومن الضروري هنا أن نضع السيناريو مع تحقيق الفيلم وعمل مؤلف السيناريو والمخرج معاً وبشكل تبادلي، وهذه العلاقة التبادلية تنشأ من كون المبادئ الدرامية لمؤلف السيناريو تتركز على امكانيات تعبيرية محددة يتطلبها زمن الحدث، وفي الوقت نفسه يطور كاتب السيناريو العرض الأدبي في الفيلم من خلال مبادئ تقدم الحقيقة.
عمار النعمة
ammaralnameh@hotmail.com
التاريخ: الاثنين 18-3-2019
رقم العدد : 16934