صرح الكولونيل فرانسوا ريغس ليغري المسؤول عن إدارة العمليات العسكرية الفرنسية الداعمة للميليشيات الكردية في سورية بأن التحالف الدولي ينهج إلى الحرص البالغ بهدف الحد من الأخطار التي تواجهه. لكن ذلك الحرص قاد إلى تزايد ملحوظ في أعداد القتلى بين المدنيين، فضلا عن نشر الدمار والخراب في شتى مناطق القتال.
وقد كتب ليغري في مجلة الدفاع الوطني «National Defense Review» مقالا قال فيه: «لقد تمكنا من تحقيق تقدم ملحوظ في معركة هجين (تلك البلدة الواقعة على مقربة من الحدود الشرقية لسورية المتاخمة للعراق) على الأرض دون الانخراط في عمليات برية. لكننا ساهمنا بإطالة أمد الحرب دون وجود ما يستدعي ذلك، الأمر الذي أفضى إلى زيادة في عدد المصابين والقتلى بين صفوف المدنيين».
تعد فرنسا الحليف الرئيس للائتلاف المنضوي تحت القيادة الأميركية الذي يحارب داعش في سورية والعراق، إذ تشارك طائراتها في قصف العديد من المواقع، كما أن مدفعيتها الثقيلة تقوم بدور داعم للمقاتلين الأكراد، إضافة إلى الدور الذي تقوم به قواتها الخاصة أثناء الهجوم البري.
وعلى الرغم من الندرة في قيام ضابط يخدم في القطعات العسكرية بالإدلاء بمثل تلك التصريحات التي ينتقد بها دور القوات الفرنسية نجد الجنرال يستطرد بقوله «قمنا بتدمير شامل للبنية التحتية وقدمنا للسكان صورة مشوهة عن نموذج الحرية التي يتشدق الغرب بها، ولم نخلف سوى البذور التي تقود إلى ظهور حركة تمرد جديدة» وأردف قائلا: «لن نكسب الحرب بأي حال من الأحوال، لأننا نفتقر للسياسة الواقعية والطويلة والاستراتيجية الملائمة. فكم من بلدة على غرار هجين ستتدمر حتى نتفهم بأننا نتبع مسارا خاطئا». وقد شكلت المقالة التي نشرها ليغري حرجا للسلطات الفرنسية، ولاسيما أنها صدرت قبل عدة أيام فقط من توقع التحالف إعلان هزيمة التنظيم المتطرف. وإزاء ذلك جرى حذف المقالة من موقع المجلة في يوم السبت وتزامن ذلك مع تصريح أدلى به المتحدث باسم الجيش الفرنسي باتريك ستيغر للصحفيين قائلا: «سيتم النظر في توجيه العقوبة للجنرال».
لقد كانت هجين آخر أكبر بلدة تسيطر عليها ميلشيات داعش وكانت هدفا للمرحلة النهائية من «عملية التجميع» التي بدأت في شهر أيلول الفائت فضلا عن المعارك الطاحنة التي تركزت في منطقة الشفعة بالقرب من الحدود العراقية.
لا نشك البتة بأن المعارك التي دارت مع ميليشيات داعش قد اكتنفتها صعوبات جمة، وقد ذكر ليغري أنه كان بإمكان التحالف القضاء على 2000 مقاتل متطرف (نظرا لما يفتقرون له من دعم جوي ومعدات تكنولوجية حديثة) بطريقة أكثر سرعة وفعالية من خلال هجوم يشن عليهم من قبل 1000 جندي من القوات. لكنه تساءل في هذا السياق بقوله: «لماذا لا نجرؤ على زج جيوشنا التي تعسكر في تلك المواقع؟»
مرارا وتكرارا توجه منظمات حقوق الإنسان النقد لحملات القصف التي يرتكبها التحالف الذي ينضوي تحت القيادة الأميركية، والتي خلفت أعدادا هائلة من الاصابات في صفوف المدنيين على مدى الأشهر الست الماضية، الذين بلغ عدد القتلى منهم حتى الآن ما يزيد عن 700 مدني بينهم أكثر من 250 طفلا جميعهم قضى نحبه في هذه المعارك. فضلا عن هروب الآلاف من المدنيين من هذه المنطقة، إذ استقبل مخيم الهول للاجئين في شمال شرق سورية أكثر من 93000 شخصا معظمهم من النساء والأطفال.
في شهر تشرين الأول، لقي حوالي 54 شخصا حتفهم منهم 12 طفلا جراء غارة واحدة شنها التحالف على مسجد في بلدة السوسة الواقعة على مقربة من الحدود العراقية. وزعمت الولايات المتحدة بأن «المسجد قد جرى استهدافه لأنه يعد قاعدة للعمليات العسكرية التي يشنها داعش، إذ أسفر الهجوم عن قتل 22 مسلحا في تلك الغارة». وعلى الرغم من أن قصف المسجد قد جرى إبان صلاة الجمعة التي تجري على نحو أسبوعي، وهو اليوم المعلوم بالنسبة للمدنيين والأميركيين، نجد القوات العسكرية تدعي بأنها استهدفت الجامع عندما لم يكن فيه سوى المقاتلين.
Middle East Monitor
ترجمة: ليندا سكوتي
التاريخ: الأربعاء 20-3-2019
الرقم: 16936