تعتبر المؤسسات الوظيفية بشكل عام بمثابة الأب الروحي للعاملين في الدولة, وليبقى الأب قوياً وقادراً على المضي بهذه الأسرة إلى بر الأمان , وجب على العاملين بذل الجهد والعطاء بطاقات الحب لتقديم الدعم والقوة , وعلى مر العقود كان العامل مثالاً للإخلاص والتضحية بالمال والجسد والروح ولاسيما في الأزمات والحروب , وعند نهاية الخدمة وبلوغ سن التقاعد بقي الراتب من حقه مكافأة لخدماته الجليلة .
واتسعت مساحة المتقاعدين ليشكلوا شريحة هامة من المجتمع ,ولكي لا يبخسوا هذا الحق وليأخذوه بكرامة تناسب سني عمرهم , وجب توصيل رواتبهم بلا أي مشقة وتعب ,يوازي كل ما بذلوه من العمل والإنتاج ولكن منظرهم وهم يقفون في أجواء باردة وحارة أمام الصرافات الآلية إنه منظر لايسر بالتأكيد , وهذا ما يحصل كل مرة عند قبض الراتب ..
فبعد أكثر من ساعتين من الانتظار المرير أمام الصرافات التجارية في جو صقيعي كان هناك العشرات من المتقاعدين البعض تجاوز السبعين من العمر والبعض أتى من ينوب عنه في الحصول على راتبه فكانت الزوجة أو الابنة كما تلك الفتاة التي بقيت تنتظر لتحصل على الراتب مستغلة إجازتها من المدرسة التي تعلم فيها في منطقة السبينة حيث منزلهم الذين عادوا إليه بعد تحريرها من قبل الجيش ,
فما كان منها إلا العودة أيضا ,بعد إبلاغهم أن الرواتب إلى اليوم الثاني ,ولكن البعض لم ييأس آملا في الحصول على النجدة في صرافات ساحة المحافظة فكانت أعداد الناس بالمئات , و النتيجة لابد في الآخر من العودة خاليي الوفاض .
هي حال المئات بل الآلاف من المتقاعدين في معاناتهم في الحصول على رواتبهم فهي مثل البحصة التي تسند جرة والتي لا تتعدى بضعة آلاف من الليرات , تعينهم لتدبير الشهر الذي يليه مهما تفننوا في شد الأحزمة على البطون , ومهما شدوا اللحاف الذي بالكاد يصل إلى رؤوس الأصابع..لتكبر المعاناة من شهر إلى شهر كما كرة الثلج .
فالغلاء من جهة والجشع وطمع الطامعين من جهة أخرى أثقلت كاهل من ساهموا في بناء الوطن وكانوا الشريان المغذي للدولة السورية, في بلد مقاوم يقف في وجه القوى الطامعة الكبرى .. وذلك لأنهم يحبون وطنهم ومستعدون دائما للوقوف إلى جانبه مهما غلت التضحيات ,ومع ذلك بقي البعض يمارس عمله رغم كل المصائب , .
أبو ياسر واحد من هذه الشريحة والذي قدم شبابه و سني عمره في العمل فقد اعتاد الذهاب كل شهر لقبض راتبه من مدينة جبلة القريبة من قريته الواقعة على احد الجبال, فزوجته بقيت تستعد لاستقبال المشتريات من المؤن الأساسية اللازمة لهم بتلك الآلاف القليلة, والتي بالكاد تكفيه نظرا لارتفاع أسعارها.
نماذج متنوعة من المتقاعدين ينتظرون من يرأف في حالتهم ويمد يد العون لهم من قبل الجهات المعنية ليس أقلها التخفيف من معاناة قبض الراتب في زيادة الصرافات الآلية على الأقل إذا لم يكن هناك زيادة على الرواتب الضعيفة أصلا لذلك لابدّ من بذل كل السبل الممكنة لنهيىء لأولادنا وأحفادنا الغد الأفضل.
فاطمة حسين
التاريخ: الأربعاء 20-3-2019
الرقم: 16936