رسائل متعددة كانت أكثر من واضحة وأبعد من حاسمة حملها اجتماع دمشق الثلاثي الذي ضم وزراء دفاع كل من سورية والعراق وإيران، في وقت ارتفع فيه منسوب تصعيد المجموعات الإرهابية بأوامر من مشغيلها وداعميها كمخرج من مخرجات سياسة العبث والهروب إلى الأمام التي تنتهجها منظومة الإرهاب، وكجزء من مخاضات وارتدادات اللحظة الاستثنائية التي تعتري المشهد برمته.
بحكم الزمان والمكان يكتسب الاجتماع أهمية كبيرة تجسدت في الدلالات والرسائل الواضحة والحاسمة التي أعلنها من وزراء دفاع الدول الثلاث من منبر القوة والنصر والثقة اللامتناهية بخوض المعركة مع الإرهاب برؤوسه وأذرعه حتى نهايتها أي حتى تطهير كامل الجغرافيا التي دنسها الإرهاب، وطرد كل القوى الغاشمة والمحتلة وإجهاض كل الطموحات التي تهدد وحدة ومستقبل الشعب السوري.
وحدة الهدف والمصير والدفاع المشترك، كانت إحدى أهم وأبرز الرسائل التي حملها اجتماع دمشق الثلاثي، في ظل سعار الأعداء واستشراس الهجمات الاستعمارية التي تستهدف دول المنطقة بشتى السبل والوسائل من أجل نهب خيراتها وثرواتها بعد سلبها سيادتها وكرامتها وتدمير هويتها وتاريخها وحضارتها.
اللقاء أكد أن دمشق وحلفاءها جاهزون لحسم المعركة في الشمال السوري مع التمسك بخيارات الحل السياسي، ولا سيما في مدينة إدلب التي تسيطر عليها المجموعات الإرهابية بدعم وتغطية من النظام التركي الذي لا يزال يراهن على الاستثمار في هوامش ومساحات الانكفاء التي خلفتها الهزائم المتدحرجة لمنظومة الإرهاب في الميدان، ذلك أن بقاء الوضع على ما هو عليه في جبهات الشمال بات أمراً صعباً بل ومستحيلاً في ظل التحولات الجارفة التي أطاحت بكل القواعد والمعادلات التي وضعتها وفرضتها منظومة الإرهاب وكانت تتحكم بالمشهد الميداني والسياسي، وبالتالي فإن لقاء القادة العسكريين لسورية والعراق وإيران في دمشق كان حاسماً في هذا الأمر تحديداً حيث كانت الرسالة واضحة لكل الأطراف المقابلة بضرورة الإسراع في محاكاة ومقاربة الواقع القائم بحوامله وقواعده ومعادلاته الجديدة التي صاغتها ورسمتها دماء وتضحيات الدول الثلاث.
المؤكد أن التطورات قد وصلت إلى مرحلة خطيرة تستدعي وتفرض الخروج من الحالة الراهنة التي تحاول فيها أطراف الإرهاب الاستثمار بشتى الطرق بحثاً عن مكاسب وأثمان تغطي هزائمها في الميدان، والخروج من الحالة الراهنة لا يكون إلا بالانتقال إلى مرحلة الحسم والخلاص سواء أكان ذلك الخلاص عن طريق الحلول السياسية أم عن طريق القوة بواسطة الحل العسكري وهذا ما أكده اللقاء بشكل واضح وصريح ومعلن.
الاجتماع هو امتداد للعمل والتنسيق المشترك بل يتخذ في شكله ومضامينه ما يؤشر إلى نقلة نوعية في مواجهة كل التحديات المقبلة مهما كانت تداعياتها على المشهد الإقليمي والدولي بما يحاكي كل المخططات والمشاريع التي تستهدف شعوب هذه المنطقة.
ملفات كثيرة حضرت على طاولة الاجتماع كان الأبرز منها ملف إنهاء الاحتلال الأميركي والوجود غير الشرعي التركي، بالإضافة إلى ملف مدينة إدلب التي لا تزال تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية، وفي هذا الإطار، أكد اللواء محمد باقري رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية أنه (جرى التأكيد في هذا الاجتماع لسيادة الدول الثلاث على أراضيها، ورفض أي وجود عسكري بصورة غير شرعية وتحت أي ذرائع لتبرير هذا الوجود في منطقة الجزيرة السورية أو إدلب أو التنف، مضيفاً أنه تم دراسة كافة السبل التي يجب اتخاذها لإعادة هذه الأراضي إلى السيادة السورية والقرار النهائي يعود للدولة السورية والجيش السوري).
وفي سياق المصير المشترك أكد اللواء محمد باقري أن محاربة الإرهاب والدفاع عن سورية هو دفاع عن العراق وإيران في آن معاً لأن هذا الإرهاب يشكل خطراً على جميع تلك الدول ويستهدف المنطقة برمتها الأمر الذي يحتم على دول وشعوب المنطقة أن تنسق جهودها لمكافحته والوقوف في وجهه.
وبدوره أكد الفريق أول الركن عثمان الغانمي أن العراق عمق سورية، وسورية هي عمق العراق والحدود بين البلدين لم ولن تقف عائقاً أمام وحدة الشعبين الشقيقين اللذين يشتركان في التاريخ والجغرافيا والعادات والتقاليد والمصير الواحد مشدداً على أن القوات العراقية مستمرة بمكافحة الإرهابيين على الحدود العراقية السورية وماضية بالتنسيق مع القوات المسلحة العربية السورية في التعامل مع تجمعاتهم في تلك المنطقة.
الأيام القليلة القادمة سوف تكون كفيلة بتظهير النتائج الحقيقية لهذا الاجتماع الهام الذي عزز القواعد والمعادلات المرتسمة في عمق الواقع والذي رسم بحضوره الطاغي على المشهد السياسي ملامح المرحلة المقبلة التي تفرض بحساسيتها البالغة استراتيجية حاسمة بشدتها وتأثيرها وثقلها ومفاعيلها الآنية والمستقبلية على الأرض.
فؤاد الوادي
التاريخ: الخميس 21-3-2019
الرقم: 16937