وضع قرار ترامب الأرعن المشهد الإقليمي والدولي على لائحة الانفجار، بينما تفرض الوعود الظالمة المستندة إلى مفهوم القوة والطغيان إيقاعها، وتكون البديل المتوارث في المفهوم الاستعماري للشرعية والقانون، وتحلّ بالتدريج في المعطى السياسي، لتصبح الأداة الأكثر عنفاً على مستوى الممارسات الجائرة للدول المتحكمة بالقرار الدولي في سياق الهيمنة والاستلاب.
ورغم الفارق بين وعد بلفور ووعود ترامب زمنياً وتاريخياً، من منظور العلاقة الجدلية التي تملي شروطها السياسية، فإن التشابه هنا أو التطابق في الولاية التي تنتزع الحقوق التي لا تملكها، وتعطي الوعود التي تفتقد المسوغات الشرعية، تحاول أن تمنح من خلالها صكوكاً متخمةً بالعدوانية والتسلط.
غير أنَّ المقارنة ليست ذا قيمة في حدود التطابق، ومساحة الاختلاف باعتبار أنَّ الحامل السياسي ذاته، والعهدة فيها على القوة التي تفيض عن الحاجة، لتضع حداً فاصلاً بين الأفكار المتوارثة استعمارياً، وبين الواقع المحسوب على أساس الأطماع، وتحقيقها فرقاً على أساس السطو المعلن على رؤوس الأشهاد.
بين هذين الحدين، تقف العلاقة الملتبسة بين الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية، بعد أن كانت رهينة الحسابات والمعادلات الاستعمارية، حيث ما يصعب على الكيان الصهيوني تحقيقه بالاحتلال على الرغم من كل هذه السنوات، تتكفل إدارة ترامب في منحه صكوك التسويق المتبقية سياسياً، وما تبرمت منه الإدارات الأميركية السابقة، تحاول هذه الإدارة أن تمنحه في شيك مفتوح، حتى ولو من دون رصيد.
فوعد بلفور الذي أسّس لمحنة المنطقة التي لا تزال تدفع أثمانها من حياة شعوبها حتى اللحظة، تستكملها اليوم وعود ترامب المتتالية، التي تحضر المنطقة لكوارث مفتوحة وممتدة في حاضر المنطقة ومستقبلها، وبصورة أكثر مأساوية بالزمن الذي تغيّر، وما مرَّ في الماضي سيكون صعباً ومستحيلاً في الحاضر، بحكم أن التراكم في الخلاصات السياسية لا يزال غير منضبط مع ما وصلت إليه المخرجات الميدانية، والسجال مفتوح على الهوامش الملحقة وجبهاتها الموازية.
المخاطرة الأميركية تتجاوز مساحة الانحياز الأعمى لإسرائيل، لتصل إلى حدود النفخ في لهيب المنطقة، وتفتح الباب على مصراعيه أمام أكثر السيناريوهات خطورةً، بحكم أنَّ الكفة التي كانت تميل لمصلحة الاستعمار في ذلك الحين، تبدو اليوم بصورة معاكسة، والاستلاب الاستعماري يعاني ممانعة تصل إلى حدود المجابهة وتسجيل النقاط الهاربة من حروف الوعود التي يطلقها ترامب، أو المنفلتة بطيشها المتفجر الذي يتجاوز حدود المنطقة.
على هذه القاعدة تبدو السبّحة في الوعود قصفاً تمهيدياً لحروب تريد أميركا أن تعيد تشكيل الخرائط على أساسها، بعد أن وصلت حروب إرهابها إلى الحائط المسدود، ومشاريعها إلى طريق مغلق، فكان الهروب إلى الأمام مساراً مفخخاً يجر وراءه الجبهات الإضافية، والانتقال من الحروب البديلة إلى الأصيلة، ومن الوكلاء إلى الأصلاء، ومن الأجراء والمرتزقة إلى الأذرع العدوانية الإسرائيلية.
وعود ترامب ليست آخر ما في الجعبة، ولا هي آخر الجبهات المفتوحة على الصراعات المستدامة، لكنها قد تكون بداية النهاية لحقبة كان العدوان والقوة الغاشمة وما يفيض عنهما أوراق المساجلات السياسية، في وقت تؤشر فيه الخلاصات أو المخرجات العملية إلى أن الجبهات التي فتحها ترامب والمعارك التي يشعلها بالتكافل والتعاضد مع نتنياهو يعرفان من أين بدأت وكيف، لكن ليس بمقدورهما ولا باستطاعة الرؤوس الحامية، أن تعرف متى وكيف وإلى أين توصل؟!
الجولان أرض عربية سورية.. هكذا كتب التاريخ، وهذا ما سيبقى يكتبه لاحقاً، فالسوريون لن تعييهم الوسيلة ولن تعوزهم الطريقة لكي يبقى كذلك.
a.ka667@yahoo.com
بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
التاريخ: الثلاثاء 26-3-2019
الرقم: 16940