من الأقرع إلى حرمون

 

 

عندما أبي رحمه الله يأخذ قليلولة من تعب الحياة والأرض، لا يجد مكاناً أكثر دفئاً وظلاً وحناناً من شجيرات تنمو بعنايته، يستظل تحتها، رافقته العادة حتى الرحيل، كما رجال القرية الذين غرسوا التوت والزيتون والتفاح، وصنعوا الحرير، وانتبهوا للتبغ، نتحلق كصبية حولهم، تارة قرب (الرامة) وتارة أخرى بمكان آخر، القصص دافئة تحفر مجراها عميقاً، يتنحنح أحدهم: تفضل أبو… أخبرنا كيف كانت رحلتك سيراً على الأقدام أنت وفلان إلى لواء الاسكندرون!!!
نسأل: سيراً على الأقدام؟ نعم.. ولماذا؟ تغرورق عينا أبي بدمعة: يفيض بالحديث ذاكراً الأسماء والشخوص، فلان وفلان، كانوا معي، أردنا أن نزور أقرباءنا باللواء، فرض الفرنسي علينا جواز سفر، وحين دخلنا على ضابط ذي ملامح عربية، انتظر حتى فرغ المكتب وقال: لا تستخرجوا جوازات سفر، هؤلاء الفرنسيون يريدون أن يرسخوا أن اللواء أرض تركية، تسللوا وراء الجبال، ثمة طرق للتهريب، تعرفوا عليها…
ويردف أبي قائلاً: كان ضابطاً جزائرياً مجنداً بالجيش الفرنسي، يكمل آخر: هل تذكرون ذاك الجندي الذي كان بإمكانه أن يقتل فلاناً بالمعركة، لكنه، رمى سلاحه وجاء؟ لقد كان مغربياً؟ وظل بالقرية شهوراً، ومن ثم قال أتدبر أمري، ولكن كيف وأين مضى ولماذا…
نعم.. قصة اللواء يكمل أبي: حكى لنا ابن عمي (أبي) أن يهودياً كان يعيش في اللواء من حقده على العرب قرر أن تسير بناته عاريات بالشارع إن تم سلب اللواء (تزوير الانتخابات) ويوم النتيجة نفذ ذلك، وسلب اللواء، وتتكرر الحكايا مرة بلون عن مكان هناك، عن جمال، عن حالة، عن جنون المستعمر الذي جاء ليمزق أرضنا مباشرة، فرنسا التي دخلت فرنسا ومساحتها أضعاف ما هي عليه الآن، وخرجت منها بعد أن عجزت عن إكمال مشروعها بالدويلات الطائفية، هل تظنون أن المشهد مختلف اليوم، هل ترامب غير غورو وغير بلفور، وغير الكثيرين ممن هم في ركب التآمر على كل مقدراتنا؟
ليس الأمر إلا حالة متواصلة بخطوات مدروسة، وكل مرحلة لها وسائلها، والتاريخ من يومه شاهد على ذلك، الصوت السوري وحده يقاوم، ينبه يحذر، والغريب أن من ينام في العسل يعتقد أنه بمنأى عن كل ما يجري، كيف سيكون كذلك وهم يحاولون تحطيم جدران الممانعة والصد، والقدرة على الرفض، من الماء إلى الماء كوارث تعد لنا، ولكنهم ساهون، من يظن أن الجولان بدأت حكايته أمس، وأن أقصى منطقة في المغرب العربي بمنأى عن هذا المصير فهو أيضاً…
تذكروا أن اليهودي ليس هذه المرة من مشت (…) عاريات بل بعض المطبلين والمهرولين، ممن لا يمكن لأحد أن يعرف بما يصفهم، وهل من مفردة يمكنها أن تكون قادرة على ذلك، التاريخ سيشهد، والأيام بيننا، وإن كانت شجيرات التوت روت لنا قصص الآباء، فإن دماء الشهداء شقائق نعمان وجوري وتوليب وقناديل ستكون قريباً على قمم جبل الشيخ (وكم الثلج دافء) وحنون، سنهزم التنين.

ديب علي حسن
التاريخ: الجمعة 29-3-2019
الرقم: 16943

آخر الأخبار
ريال مدريد يفتتح موسمه بفوز صعب  فرق الدفاع المدني تواصل عمليات إزالة الأنقاض في معرة النعمان محافظ إدلب يستقبل السفير الباكستاني لبحث سبل التعاون المشترك ويزوران مدينة سراقب رياض الصيرفي لـ"الثورة": الماكينة الحكومية بدأت بإصدار قراراتها الداعمة للصناعة "نسر حجري أثري" يرى النور بفضل يقظة أهالي منبج صلاح يُهيمن على جوائز الموسم في إنكلترا شفونتيك تستعيد وصافة التصنيف العالمي الأطفال المختفون في سوريا… ملف عدالة مؤجل ومسؤولية دولية ثقيلة مبنى سياحة دمشق معروض للاستثمار السياحي بطابع تراثي  "السياحة": تحديث قطاع الضيافة وإدخاله ضمن المعايير الدولية الرقمية  فلاشينغ ميدوز (2025).. شكل جديد ومواجهات قوية ستراسبورغ الفرنسي يكتب التاريخ اهتمام تركي كبير لتعزيز العلاقات مع سوريا في مختلف المجالات الساحل السوري.. السياحة في عين الاقتصاد والاستثمار مرحلة جامعية جديدة.. قرارات تلامس هموم الطلاب وتفتح أبواب العدالة تسهيلات للعبور إلى بلدهم.. "لا إذن مسبقاً" للسوريين المقيمين في تركيا مرسوم رئاسي يعفي الكهرباء من 21,5 بالمئة من الرسوم ..وزير المالية: خطوة نوعية لتعزيز تنافسية الصناعي... لقاء سوري ـ إسرائيلي في باريس.. اختبار أول لمسار علني جديد تركيب وصيانة مراكز تحويل كهربائية في القنيطرة زيارة وفد الكونغرس الأميركي إلى دمشق… تحول لافت في مقاربة واشنطن للملف السوري