تحلّ غداً الذكرى الثالثة والأربعون ليوم الأرض، ومعها تحضر قضية الجولان -بحكم المعطى السياسي والجغرافي والبشري- كجزء أساسي من هذه الأرض التي احتلتها إسرائيل، وتحاول جاهدةً فرض الأمر الواقع من خلال إخضاعها لقوانينها الاحتلالية وإجراءاتها القمعية، رغم الفشل المدوي على مدى العقود الماضية في تهويد هذه الأرض التي بقيت محافظة على هويتها وستبقى.
ليس مصادفةً أن تأخذ ممارسات سلطات الاحتلال حدّها الأقصى، وهي مدعومة بقرار أميركي أرعن بخصوص الجولان السوري المحتل، أثار ردود فعل رافضة على كل المستويات، حيث كانت أميركا وحيدة في مجلس الأمن، بعدما طالب الجميع بالعدول عن القرار، والتأكيد أنَّ مصيره الفشل.
وقياساً على المجريات الخطيرة والتداعيات الأكثر خطورةً، تتصدر مسألة الحقوق جانب القوة في المجابهة، وتأخذ سياقاً أكثر حضوراً في المقاربات السياسية والدبلوماسية والإعلامية، وهي تحذّر من الإجراءات الصهيونية التي وجدت في القرار الأميركي الضوء الأخضر لمواصلة حملة التهويد للأرض العربية، والتي تجاوزت من خلالها كل الخطوط الحمر.
فالمسألة الجوهرية تتعلق بمحاولات مستميتة لإعادة تعويم المشهد الإقليمي وفق صياغات تحددها الأطماع الصهيونية، وترسمها مجموعة من القرارات العدوانية الأميركية، التي تحاول عبرها التعويض عن إخفاق مشروعها الإرهابي، وتداعي مشروعها كله في المنطقة، باعتبار أنَّ الحامل الإرهابي كان الأداة الأكثر استخداماً لتنفيذ ذلك المشروع في العقد الأخير على الأقل.
ما يدفع إلى الجزم بأنَّ الإجراء الأميركي لم يكن خارج التوقيت الإسرائيلي، ولا هو منفصل عن المشروع الإرهابي ذاته، بدليل أنَّ التعويل على ذلك المشروع كان يشكل جزءاً من حوامل الدور الأميركي لخريطة المنطقة، وكان الرهان على أنَّ الإرهاب سيتيح الفرصة الذهبية المنتظرة لرسم الإحداثيات المطلوبة، ولإعادة تقسيم المنطقة وفق متطلبات الهيمنة ومصلحة إسرائيل.
غير أنَّ الفشل في تمرير المشروع الإرهابي دفع إلى إعادة استحضار الأوراق القديمة، بما فيها تلك المعتمدة على الإجراءات التهويدية بصيغتها التقليدية، وعندما فشلت في تحقيق مرادها، كان الخيار باستخدام عصا الهيمنة الأميركية وسياسة الاستلاب، وبممارسة أقصى درجات الضغط، وصولاً إلى القرار الجائر باستخدام فائض الغطرسة الأميركية، بالاتكاء على الأحادية القطبية ورواسبها من فوائض الدور والهيمنة والقوة لمصادرة الشرعية الدولية.
يوم الأرض شاهدٌ على فشل الاحتلال، وأيام الجولان الممتدة في الوجدان السوري على مدى السنوات، ومدار الساعات واللحظات، والتشبّث بالهوية الوطنية لأبناء الجولان، دليل دامغ على العجز المزدوج أميركياً وإسرائيلياً، مع ما استنبطه أهلنا من أدوات فعل استولدت هذه العلاقة المتعدية والتفاهمات العفوية التي وحّدت النضال المشترك، وطابقت معايير العمل الوطني في مقاومة الاحتلال.
الجولان أرض سورية ستعود، ويوم الأرض يعيد نسج علاقة الفلسطيني مع الأرض ذاتها، لكي تبقى وتعود أيضاً بالمعيار ذاته، بحيث يكون الناتج هو مشهد التعاضد على امتداد أرض الوطن الفلسطيني، كما هو الحال مع الوطن السوري.
فلسطين والجولان وكل شبر من الأرض المحتلة، ستبقى في الوجدان الوطني حالةً من الإجماع تتقاطع حولها ومن خلالها تجليات الواقع الشعبي، وترسم أفق المواجهة من خلال الإصرار على رمزية الأرض وقدسية الهوية الوطنية على امتداد تلك الأرض، حيث التمسك بها شكّل الحامل الطبيعي لاستعادتها التي يبدو أنها اقتربت أكثر من أيّ وقت مضى، وخصوصاً أن الرعونة والجور والعدوانية تستولد الفرصة، وتعجل الكثير مما هو مؤجل..!!
a.ka667@yahoo.com
بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
التاريخ: الجمعة 29-3-2019
الرقم: 16943