ماذا لو اختفى عامل النظافة .. كيف سيكون المشهد العام في طرقاتنا ، ربما سنتعثر بأكوام القمامة وستزكم الرائحة الكريهة أنوفنا ، و قد يطاردنا شبح التلوث أينما سرنا وسيتبعنا ليتسرب عبر الهواء إلى منازلنا ليهددنا بأمراض وأوبئة ، وستسرح وتمرح الحشرات والقوارض بين الشوارع وبيوتنا ببيئة ملائمة ومؤهبة لتكاثرها وانتشارها؟!
مدينة نظيفة خالية من التلوث حلم مشروع لكل منا ، كشركاء في المواطنة و العيش بمدينة واحدة أو منطقة معينة أو حي صغير و ربما بناء سكني ، وتعد النظافة مسؤولية مشتركة تقع على عاتقنا جميعا كفرض عين لا كفاية لا مفر منه ، و بينما يواظب البعض على حماية المكان سواء كان خاصا أم عاما فيعمل على التقيد بشروط النظافة و اتباع أسسها و التقيد باستراتيجيتها ، هناك من يسيء و يشوه البيئة من خلال تجاهل شروط النظافة العامة بسبب الكسل أو الجهل و عدم الدراية بالمسؤولية المترتبة عليهم في حماية البيئة من التلوث ، وعدم الاساءة للمشهد العام عبر إلقاء القمامة، وعدم التقيد بالأماكن المخصصة والأوقات المحددة.
لن نقول جديدا بأن النظافة مؤشر حضاري للشعوب ، و لا ترقى دولة في العالم دون صورة ناصعة خالية من التشوهات البصرية المؤذية لعين تنفر من فوضى مكانية، وتشمئز من تردي وضع خدمي، وتضع الكثير من علامات الاستفهام على سلوكيات غير مسؤولة، يمكن أن تسيء للبيئة وتسهم في تلوث الجو العام.
سلوكيات خاطئة
في الكثير من الأبنية السكنية لو تجولنا في طوابقها سنلحظ سلوكيات خاطئة يرتكبها سكان البناء دون قصد الإساءة أحيانا ، و لكن حسب اعتقادهم أن لتنظيف المنزل أولوية بالدرجة الأولى، فالفضلات يتم اخراجها من البيت ووضعها خارجا أمام الباب أو على درج البناء ريثما يتسنى لهم إلقاؤها في الشارع ، وعوضا عن تزيين مداخل البيوت بنباتات الزينة ، تشوه بأكياس القمامة التي تنبعث منها الروائح الكريهة ، و تكون ملاذا للقوارض والقطط لتنبشها و تأكل منها، وليصبح البناء مسرحا للحشرات و ساحة للقوارض، التي يمكن أن تتسلل خلسة إلى البيوت وتتسبب بتلوث الأطعمة، وتشكل خطر على الصحة العامة لسكان المنازل ، كما تصبح هذه القمامة سببا لتبادل الاتهامات بين سكان البناء واشتعال الخلافات و المشكلات بينهم بسبب هذه القمامة التي يلقيها البعض.
تقول أم حيدر القاطنة بمنطقة جرمانا التابعة لريف دمشق: هناك الكثيرون ممن يلقون بالقمامة دون أكياس مخصصة في مدخل الحارة التي أقطن فيها ، و المشهد يتكلم عن نفسه ، أكوام مزعجة تنبعث منها رائحة كريهة و منظر غير لائق أبدا ، إضافة إلى غياب عمال النظافة عن الكثير من الأحياء، والقمامة منذ وقت طويل لم ترحل من هنا.
منظر مزعج ورائحة كريهة
أمام مداخل الأحياء و في زوايا الطرقات نجد تجمعا كبيرا للفضلات ، و كذلك الأمر بالنسبة للمحلات التجارية و المطاعم التي تلقي بفضلاتها من أكياس وعلب كرتونية لتزيد المشهد بؤسا وتشويها بصريا وأذى صحيا على القاطنين وتلوث البيئة.
صاحب محل تجاري في المنطقة الصناعية فاض به الكيل من الحاوية المركونة أمام محله و التي لم ترحل منها القمامة منذ وقت طويل، يقول ماجد زين الدين: عدا عن المنظر المزعج أمام واجهة المحل و الرائحة الكريهة ، فقد باتت مأوى للقطط التي تقفز إليها لتأكل من الفضلات، ثم تتسلل إلى محلي و تزعجني و القمامة في تزايد مستمر حيث يلقيها السكان .
اتهامات متبادلة
أحياء تغص بأكياس القمامة و شوارع مشوهة بحاويات تكللها الفضلات و تحيط بها تلال مبعثرة من الأكياس، مشهد ليس بغريب عن المشهد العام الذي تشهده بعض أحيائنا السكنية و خاصة في الأزقة و مناطق ريف دمشق ، و بينما نشكو من صورة مشوهة توجه إلينا أصابع التهام كمتسببين في تلك المشكلة ، فيشكو عمال النظافة من اهمال و عدم التقيد بإلقاء القمامة في الأماكن المحددة وعشوائية رميها خارج الأوقات المخصصة ، ما يسهم بزيادة الأعباء و حجم الجهد الذي يبذلونه لجمع تلك الفضلات ، لتكون جهودهم ضائعة في مهب جهل و اهمال لأهمية إلقاء القمامة في أوقات محددة ، لتسهيل عملهم و عدم بعثرة تعبهم في تكرار القيام بجولات لجمع ما ألقي مجددا.
جهد مهدور
بين معاناتنا من موضوع النظافة والحرص عليها و شكوى عمال النظافة من إهمال بعضنا ، يطرح بعضهم صعوبة العمل بقطاع النظافة ليس لشيء إلا أن الكثيرين يستهترون بما يقوم به و بكل سهولة يرمي القمامة من نوافذ المنازل والسيارات العابرة و بعيدا كل البعد عن الحاويات ليعيد من جديد ما قام به في عز الشتاء و حر الصيف.
يقول أبو محمد 40 عاما كان يجر عربته أمامه في منطقة الشعلان بدمشق و قد بدا مبتسما متفائلا رغم المطر و البرد: الكثير من الناس لا يقدرون عملنا و يستهينون بنا كبشر ، و مرارا و تكرارا خلال «ورديتي» الصباحية قمت بتنظيف هذا الشارع مرتين ذهابا و إيابا، و هذا شيء مرهق ، البعض ينتظرني و يعطيني الأكياس بيدي كما أنهم يكرمونني بوجبة طعام و يساعدونني كثيرا.
محمد عامل نظافة في منطقة الحمراء مر من أمامي و رائحة العربة التي يجرها تزكم الأنوف ، كان يرتدي القفازات و قد بدا عليه التعب يقول : كي لا يكلف البعض نفسه عناء السير للحاوية يرمي بالقمامة حسبما يحلو له ، أعمل ثماني ساعات دون تقدير من أحد ، ما إن انتهي حتى يقولون لي الشارع غير نظيف إرجع وكرر التنظيف لان المارة يلقون الفضلات بكل لحظة ، بينما أتهم من قبل دوريات التفتيش من قبل المحافظة بالتقصير و عدم التنظيف بشكل جيد بسبب القاء القمامة بشكل مستمر.
نقص مستلزمات
كل مستلزمات عمل محمد الذي تجاوز 55 من عمره عربة و مكنسة و قفازات مهترئة ، بينما غابت الكمامات عن وجهه لتحميه من التلوث الناجم عن احتكاكه المستمر بالقمامة ، بينما لجأ مضطرا لجمع و فرز علب البلاستيك و العبوات المعدنية لبيعها ودعم نفسه ماديا بسبب راتبه المتدني بعد 26 عاما من العمل و تحمله أعباء القدوم يوميا من مدينة القنيطرة. يقول: منذ أكثر من سنة لم توزع علينا أدوات و مستلزمات عمال نظافة من قفازات و بدلات، و عملي يستلزم أدوات حماية من الاحتكاك المستمر مع القمامة.
كيس أسود بلاستيكي و قطعتا كرتون وعصا خشبية هي كل مستلزمات أبي محمود لعمله بالتنظيف، كان ينحني لالتقاط الأوساخ المتناثرة على جانبي الرصيف في منطقة جسر الرئيس ، رغم عمره الذي قارب الستين ما يزيد من صعوبة عمله سألته أين العربة و المكنسة؟ قال: هناك نقص بأدوات العمل و ليس لدي أي أداة سوى يدي ، حتى بدلة لم أستلم منذ سنة، أعمل منذ 27 عاما و راتبي لا يناسب الجهد الذي أقوم به فالقمامة لا تنتهي و الناس لايتعاونون معنا، هم يلقون و نحن نجمع.
عدنان عيسى يعمل على سيارة مكبس للقمامة في مدينة جرمانا أوضح أن هناك مشكلة في عدم التقيد بأماكن و أوقات رمي القمامة ما يزيد من صعوبة العمل ، و اشتكى من عدم العدالة في تعويض طبيعة العمل بين عمال الريف و المدينة.
المرأة و النظافة
ظاهرة عمل المرأة في النظافة كانت لافتة وبادرة جميلة في مدينة جرمانا ، و لكن انتهاء مدة التعاقد معهم و التي كانت لمدة ثلاثة أشهر فقط ، فلم تتح لنا فرصة للالتقاء ببعضهن ، واللواتي كان أغلبهن من الباحثات عن فرصة عمل للتخفيف من وطأة الفقر بعد نزوحهن عن مناطق سكنهن من الجزيرة و المنطقة الشرقية.
إن سعينا لمدينة نظيفة خالية من التلوث مهمة مشتركة ، لا تتم إلا بتضافر الجهود بيننا و بين عمال النظافة ، والتحلي بالمسؤولية والاحساس بالواجب تجاه البيئة، وضرورة توفر الوعي الكافي وتوجيه الأسرة لأبنائها لأهمية النظافة كواجب تجاه المجتمع، وبث رسائل التوعية من خلال وسائل الإعلام والمؤسسات التربوية ، لتصبح النظافة سلوكا مترسخا في التصرفات وطريقة التعامل مع الممتلكات العامة لأن النظافة من الإيمان.
منال السماك
التاريخ: الثلاثاء 2-4-2019
رقم العدد : 16946
التالي