«جسدنا ليس ملكا لنا فقط، بل من غير المسموح لنا التصرف به، إلا ضمن شروط مدروسة يضعها المجتمع، ومعدة للجميع ذكرا كان أو أنثى ولا يسمح لك أنت تحديدا بالابتعاد أكثر، وإلا أصبت بلعنة المرأة الهاربة تحت جنح العادات الموروثة».
«العشيرة، الجماعة الإثنية.. القومية.. المذهبية.. كلها هويات بلا ذوات كل منها، مثل أي امرأة من نسائها، رحم وثدي…».
ليس كما وصفها النقاد.. لم تبتعد أحلام أبو عساف في روايتها «رحيل العوسج» عن هواجس المرأة وأحلامها، بل كانت مرآة لها، وكأنها تقمصت الأدوار فكانت خاطرة أنثى على لسان بطلتها هاجر التي وثقت مجريات الرواية «أقسمت على تغيير سير نضالها حينما قالت: الذود عن الحياة نضال أشد من التضحية بالنفس في مقارعة عدو غاصب».
وخولة المناضلة ابنة الطيار العسكري التي تصبو أن تصبح مثله «بت أكره تصرف والدي وهو يضيق الخناق على يتكلم في المحافل عن حرية المرأة وينسى ابنته، بكى يوما أحلامه الضائعة والآن ينكر علي حلمي القادم».
فرغم كل الفيض الأنوثي والزخم الذي طغى على المفردات والذي يوحي للقارئ أن الكاتبة امرأة، بقيت اللغة عاجزة في بعض الأحيان عن الوصف، لتختار الكاتبة صمت الريح «إن الكلمات لا يمكنها أن تخفف عما في قلب الإنسان وتريحه، الصمت وحده قادر على فعل ذلك..» متأثرة بقول (يوران) «اسوأ ما قد يصيب الإنسان أن يفقد شهيته من القول، من الضحك، في إظهار ردات الفعل أسوأ ما يصيبه أن يموت حيا»..
«رواية العوسج» طباعة دار ظمأ تحكي رحلة نضال خولة وصديقتها هاجر وطموحهن في الخروج من براثن المجتمع الذكوري الذي يقوض حق المرأة في الدفاع عن أرضها بجسدها الرقيق الذي أصبح نتاج أوضاع جتماعية واقتصادية وثقافية وأخلاقية ومنها أن عملها العسكري سيصيبها بالتوحش، فهاجر لم يكن هدفها في الحياة يوما، أن تبقى بالقرب من رجل.. «يمتلكني جسدا، لأصبح كقطة تموء بالقرب منه».
أما «خولة.. شعرت لأول مرة بأنها نحلة، تحوم فوق بساتين من الخزامى, تمتص رحيقا ليس بغريب عن مذاق الانتعاش، لحياة تزهر في قلبها كل ثانية..تبحث عن شجيرة عوسج لتكون موطنها الأبدي، تستنشق أريج الخزامى في بلاد الأرز».
حاولت الكاتبة قدر الإمكان إثبات ذات المرأة كإنسان ووجدان فتميزت الرواية بشاعرية أنثوية، بمواقف قصصية مؤثرة ومكثفةّ رغم الحبكة النمطية وتسلسل الأحداث لبطلتي الرواية، فكانت المرأة الشمس العنيدة والموجة المتمردة التي لا تكبح جماح تمردها..وهو مايعكس واقع المرأة والتناقضات التي تعيشها.
«زينب تلك الفتاة التي هجرت جامعتها في قسم العلوم السياسية، وزينتها وأدوات مكياجها وتنورتها القصيرة، لتلتحق بفكر آمنت به لكي تقارع أشرس عدو دخل الوطن السوري، وآمنت بالمطلق أن للنضال أوجها كثيرة..».
مزجت الكاتبة أحلام أبو عساف في روايتها المحتوى السردي والوصف والحوار بلغة متقنة ومتينة وأسلوب مشوّق جمع بين التراكيب الخبرية والإنشائية بما يتناسب مع دلالات الرواية.
لم تعد بطلتها خولة إلى دارها.. بل غرست جسدها شجرة مغروسة في أرض المعركة، فنادت ملء حنجرتها تحيا سورية في بلاد الأرز.. أما هاجر مازالت تشتاق خولة، فالحياة جديرة بأن تعاش، فراحت تؤرخ أحداث المعركة «وبقي ترقب الأهل في تلك المرحلة رهيبا من منهم ستختفي ابنته أو ابنه لينبت بعد عام زهرة أو عوسجة في أرض الجنوب».
رنا بدري سلوم
التاريخ: الخميس 4-4-2019
رقم العدد : 16948