على مسرح الحياة تدور حكاياتنا كطاحونة هواء، نلعب دور البطولة, وأوقاتا نستريح في الظل، معلنين استسلامنا للحزن واليأس، فيطرق بعضنا البائس أبواب العرافين والمشعوذين كي يتجرع دواء الأمل وأوهام الانتصار على ذات، ولأن السوريين عانوا ما عانوه من ويلات الحرب ثماني سنوات لجأ البعض الكثير إلى طرق أبواب العرافين بحثا عن مخطوفيهم ومفقوديهم ومن أضاع السبيل بين دفاتر المشعوذين..
ولأن الإعلام الوطني كان لابد له أن يوجه عين سلطته الرابعة على أجزاء المجتمع ولاسيما الذي يعيش في العشوائيات والذي ثقافته على قده، حمل برنامج «حياتنا دراما» التي تعرضه قناة دراما السورية على عاتقه شرح وتوضيح الصورة الواقعية التي شكلتها ورسختها الأعمال الدرامية، بسلبياتها قبل ايجابياتها.
خصصت معدة البرنامج أمينة العطوة احدى حلقات البرنامج للسحر والشعوذة تحت عنوان «آفة تهدد أمن الباحثين عن الأمل».
واستضافت مقدمة البرنامج ريم معروف اخراج سلاف الرهونجي ضيوف حلقتها علي شاهين المخرج الدرامي الذي أكد ابتعاد صورة المرأة والأنثى السورية الأصيلة عن الأعمال الدرامية، وعرضها كسلعة ربحية مستهلكة، ولاسيما فريسة الدجالين والمشعوذين، مرسلا رسالة لكل متابعي الحلقة استخدام العقل والعودة له في سلك حياتنا اليومية، وعدم اللجوء إلى محطات الشعوذة التي تخصص بثها لاستقبال اتصالات المشاهدين لجلب الحبيب ورد المسافر وتفاصيل حياتنا المخزية..!
في حين تحدثت تهاني سكر ماجستير في علم النفس الاعلامي عن انجذاب المتلقي وضعفه وتراوحه مكانه في تلقيه للدراما، وعدم تطوره في تحسين رؤيته لقضاياه من خلال البرامج الدرامية التي تعرض والتي تأثيرها في دواخله كانت وما زالت أقوى من تأثير مواقع التواصل الاجتماعي لأنها تخاطب الأسرة بكل شرائحهافي وقت واحد، وإن الجمهور بشكل عام عاطفي بدوره يبتعد عن العقل ويلاحق أحاسيسه.
عرضت الزميلة الصحفية والناقدة الدرامية ديمة داودي تجربتها ومتابعتها للدراما التي تطرقت مسألة الشعوذة، وكشفت عن ملفاتها الصحفية وتقاريرها للوصول إلى فضح وكشف مستغلي حاجة الناس واللعب بعواطفهم واستغلالهم النفسي والمادي، مؤكدة ابتعاد الدراما عن تقديم نقيض هؤلاء في المجتمع، الفئة المثقفة المتحررة من كل المعتقدات الخرافية فهو ما يعطي توازن المشهد في الرؤية الدرامية.
لاحظت أثناء متابعتي للحلقة استعراض مسلسل واحد« ليل ورجال» الذي عرض تفاصيل ايقاع الساحر للضحية وآلية اسقاط الفريسة في قفص الوهم والعجز، في وقت كانت الدراما السورية ذاخرة بتلك القصص وان كان حضورها خجول.. فلم يتم التنويه عنها إلا شفهيا بذكر عناوينها..
أما جولات كاميرا البرنامج في الشارع السوري لكي تنقل آراء المارة عن موضوع البرنامج، لم يضف شيئا في المضمون والمحتوى سوى حيوية لا بأس بها.
برأي كان من الأفضل ولكي تكتمل فكرة الحلقة استضافة كاتب درامي يتحدث عن موضوع السحر والشعوذة وصعوبته وقلة انجذاب كتاب الدراما لما له خصوصية في مجتمعنا نتيجة اعراف وتقاليد وارتباطها بالدين..
حياتنا دراما تراجيديا كوميديا لا يهم، المهم أن هناك جمهورا يصفق في نهاية المطاف، نهاية المسرحية وإن كان الجمهور السوري متعطش لرؤية تلك الحكايات التي تستهزئ بعقله، سيبقى فريسة لهذه المعتقدات الخرافية، بالتالي سيبقى محط أنظار المنتجين لانتاج مادة درامية دسمة.
رنا بدري سلوم
الجمعة 5-4-2019
الرقم: 16949