هي بصراحة سياسة قضم العالم.. لعل الأمم المتحدة تشكل العظمة الأصعب بلعاً… فهي تحتاج إلى فتح الأشداق على مصراعيها حتى لتبدو منها الأنياب والحلوق المتعطشة وكمٌ كبير من النفاق..
هكذا بدا وزير الخارجية الأميركي وهو يكشف عن جريمة أخرى لتقييد حق شعب مستقل في أرضه و وطنه في الحرية والعمل المستقل وسيادة القرار الوطني.
القرار الذي أعلنه الوزير بومبيو باعتبار الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية.. ليس أبداً خاصاً بإيران.. ولا فريداً.. بل هو واحد من القرارات الأميركية التي تنتشر كالذباب الموسمي.. فلا يعفى منها أحد.. حتى الذين يصفقون لها.. أو يسكتون عنها.. لا أوروبا.. ولا آسيا ولا إفريقيا.. وفي أميركا الجنوبية والشمالية، حدث ولا حرج.. الغزو اليوم يستهدف هناك فنزويلا.. هكذا يبدو.. لكن هذا فهم جبان للحقيقة المرة… هذا هو الحال في دول الخليج التي أسرع بعضها للتصفيق للقرار الأميركي متوهمة أنه يخدم مصالحها طالما هو يعادي إيران..!! وهو تفكير مشلول وعاجز يمارسه الكبير والصغير في دول العالم.. إذ العقوبات لا تتحداه مباشرة.
إنه الاستعمار بشكله الجديد.. والمبدأ فيه.. كل من لا يخضع لما تريده الولايات المتحدة… جازت عليه العقوبات و ويل لمن يخالف.. فستكون له عقوبة.. في زمن تهيمن فيه الولايات المتحدة على مصارف العالم وتكتلاته المالية وأعمال التأمين وضمانات النقل والسلامة.. إلخ.. وتملك أقوى جيش في العالم..
فإن عادت الحياة للمنظمة الدولية (الأمم المتحدة).. وجب أن نتذكر ونذكر.. بميثاقها.. وبمشروعها لتصفية الاستعمار في العالم.. كما ذكر به قرار جمعيتها العامة ذو الرقم 1514 تاريخ 14 كانون الأول 1960.. الذي أعلنت فيه ضرورة وضع حد بسرعة ودون قيد أو شرط للاستعمار بجميع صوره ومظاهره.. وجاء في فقرته السادسة:
كل محاولة تستهدف التقويض الجزئي أو الكلي للوحدة القومية والسلامة الاقليمية لأي بلد.. تكون متنافية ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه.
ما رأيكم.. هل تقوم الولايات المتحدة بشيءٍ من هذا القبيل..؟؟؟
لكن تحدي الولايات المتحدة للمنظمة الدولية ليس فقط هنا وعند حدود هذا الحجم.. القرارات الأميركية في مواجهة الأمم المتحدة وميثاقها ومؤسساتها.. أكثر من أن تحصى.. وهي لا تخفي الرغبة الجامحة في القضم المستمر للمنظمة الدولية بغاية تصغيرها لابتلاعها.. أو تدميرها وإلغائها..
أميركا تنظر للمنظمة الدولية كأحد منتجات الحرب العالمي الثانية.. وكانت الولايات المتحدة يومها واحداً من المنتصرين وعليها أن تقبل المساواة بشكل ما.. اليوم ترى نفسها المنتصر الوحيد في العالم.. وعلى هذا العالم دون استثناء.. أكرر.. دون استثناء… أن يخضع.. وأن يريد ما تريده..
هذه ليست دعوة لإنقاذ الأمم المتحدة.. بقدر ما هي دعوة للعودة لمحاربة الاستعمار..
أسعد عبود
As.abboud@gmail.com
التاريخ: الأربعاء 10-4-2019
رقم العدد : 16953