من مصراتة جاؤوا نحو جنوب طرابلس دعماً لحكومة الوفاق الوطني، وبات جنوب طرابلس مسرحاً لعملية كرّ وفرّ بين قوات الوفاق وقوات حفتر، حيث أعلنت الأولى استعادة معظم المناطق التي سيطر عليها منشقون موالون لحفتر بما فيها مناطق العزيزية ومطار طرابلس الدولي.
سياسياً هناك شبه إجماع إقليمي ودولي على رفض العملية العسكرية في طرابلس ومطالبة اللواء المتقاعد خليفة حفتر بسحب قواته فوراً.
سخونة المواجهة في الميدان قابلها موقف دولي بارد حيث غادر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بوفاضٍ خالٍ، ففي الحقيقة هناك عدم مصداقية من قبل الأمم المتحدة في المشروع الليبي خاصة مع مرور الساعات واستمرار الاعتداءات على المنطقة الغربية وعلى العاصمة الليبية.
وكأنه وعيد من زمن ليبي قد انقضى، اندفع اللواء المتقاعد إلى طرابلس وما عاد يطيق مزيداً من الانتظار، فتجربته العسكرية الممتدة لخمسة عقود والتي أراد أن يتوّجها بقبضة محكمة على الشرق والغرب معاً، أهي أماني حالمة لعسكري متقاعد أم إن اللواء تحرّك بإيعاز من أحد.
نصف الجواب في الرياض وأبو ظبي صاحبتا الدعم الوفير لحفتر، وقد صار رديفاً لمشروعهما المناهض للتغيير في المنطقة. حيث كشف مقال للكاتب والبروفيسور بمعهد الدراسات الجيوسياسية بباريس، علي بن سعد، أن كلّاً من السعودية والإمارات تسعيان إلى استعادة نفوذهما في ليبيا.
وبحسب الكاتب إنه يوم 27 آذار الماضي، أي قبل أسبوع من الهجوم الذي شنه حفتر على طرابلس، استضاف الملك السعودي خليفة حفتر في إطار اجتماع شهد حضور شخصيات بارزة في المملكة، بما في ذلك وزيري الخارجية والداخلية السعوديين، إلى جانب وزير الدولة للشؤون الإفريقية.
ويكتسي هذا الاستقبال الاستثنائي أهمية بالغة في المملكة التي من الجلي أنها بدأت موافقتها على هجوم حفتر ضد طرابلس. وبعض الجواب في مصر أيضاً، التي مدّت قوات حفتر بالعتاد وأمنت له الأجواء خلال معارك سابقة، لكنها ظلت مع بداية حربه على طرابلس متحفظة، قبل أن يخرج وزير خارجيتها عن الصمت وينضم إلى لفيف المحذرين من خطورة الصراع.
فحتى رعاة حفتر قالوا إنهم مختلفون حول توقيت هذه المعركة، وقد يكون وجه الحقيقة أن حفتر أفلت من طاعتهم وتصرف منفرداً. في ظاهر المواقف يخشى هؤلاء جميعاً من صراع لا تعرف نهايته في ليبيا، وفي باطنها لا أحد منهم راغب في لجم طموح اللواء المتقاعد.
متن البيانات الدولية اتفق أيضاً على عبارات متشابهة تندد بحسم عسكري يغرق البلاد في الفوضى. وذاك خرج عن اجتماع مجموعة السبعة المنعقدة في باريس وعن مجلس الأمن الدولي الملتئم استثناءاً لبحث الملف الليبي. لكن في الهوامش تفاصيل كثيرة من بينها خلاف فرنسي إيطالي مزمن حول ما آل الوضع إليه في ليبيا، فروما المستعمر التاريخي يخشى ترتيبات مشهد يضعف سطوتها القديمة، يتصدره لواء يدين بالولاء لباريس، وباريس تدعم حربه على طرابلس لعلها تطلق يدها على مزيد من حقول النفط والغاز. فيما يبدو الموقف الأمريكي ملتبساً يلعب على حبال الخلافات الأوروبية منتظراً نتائج الميدان. يرابط حفتر قريباً من طرابلس والمدافعون عنها يقاتلون بشراسة المدرك لمصيرية المعركة التي إن دخلها حفتر فقد أقبرت أحلام الدولة المدنية في بلادهم.
زينب العيسى
التاريخ: الخميس 11-4-2019
الرقم: 16954