في 12 كانون الأول 2018 خَطت الجمعية العامة للأُمم المُتحدة خُطوة جَيّدة – لكنها أَتت مُتأخرة ربما أكثر من ربع قَرن – باتخاذها قراراً باعتماد 24 نيسان من كل عام يَوماً دَولياً للتَّعددية والدبلوماسية من أجل السلام، وقد احتفلت به «أمس» للمرّة الأُولى.
في حَيثيات الذّهاب لهذه الخطوة الأُممية، يُعتقد أن الدوافع تَكمن باستشعار خطورة السياسات المُنفردة والمُتهورة التي باتت تُشكل تَهديداً حقيقياً للميثاق الدولي والركائز الأساسية التي قامت عليها المُنظمة الدولية، فضلاً عن تَهديد المبادئ والقوانين، ناهيك عن تَحييد المَعايير المُعتمدة، والكيل بمَعايير مُزدوجة ومُتعددة على نحو ما تَفعل بحماقة، الولاياتُ المتحدة والغرب المُلتحق بها.
في مُوجبات النقاش الذي قاد لاتخاذ قرار اعتماد يَوم للتعددية والدبلوماسية من أجل السلام، يُعتقد أيضاً أنّ أغلبية الدول الأعضاء بالمُنظمة الدولية، فضلاً عن المنظمة بذاتها، بدأت تَشعر، وتَتَلمس مَخاطر المُمارسات الأحادية الأميركية – الغربية الجائرة وغير الشرعية، بل تلك التي لا تَتعارض وإنما تَتناقض مع النُّظم والقواعد والقيم التي تَحكم العلاقات الدولية وتنظمها بما يحقق الأهداف النبيلة المَنصوص عليها بميثاق الأمم المتحدة.
الوثائقُ الرسمية للأمم المتحدة تَقول عن هذا اليوم الدولي: «يُعد اليوم الدولي للتعددية والدبلوماسية من أجل السلام بمثابة إعادة تَأكيد لميثاق الأمم المتحدة، ومبادئه المُتعلقة بحل النزاعات بين الدول من خلال الوسائل السلمية. ويُشدد مفهوم القرار على استخدام الدبلوماسية المُتعددة الأطراف في التّوصل إلى حلول سلمية للنزاعات بين الأمم».
إنّ أي مُحاولة بَحثية – مهما كان شَكلها وتَوجهها، سياسية، اقتصادية، اجتماعية أم ثقافية – للخَوض بإجراء مُقارنة، أو ببناء مُقاربة، بين النص والتطبيق خصوصاً في ظل القطبية الأحادية الأميركية ومُمارساتها المَقيتة، ستَنتهي حتمياً للدعوة إلى وجوب إصلاح المنظمة الدولية فوراً، وللإسراع بإصلاح النظام العالمي ومؤسساته، ذلك أن مَقاصد الميثاق الدولي صارت في جهة، والمُمارسة في جهة أخرى مُعاكسة تَماماً.
التَّناقضُ القائم الحاصل بسبب سياسات البَلطجة الأميركية، بين النّص والتطبيق، بين المَقاصد والمُمارسات، لا يُقوّض أُسس النظام الدولي ومبادئ الأمم المتحدة ومؤسساتها، بل يَنسف كل شيء ولا يُبقي على أي أثر إيجابي لعمل جماعي تَندفع الدول الأعضاء بروح التعاون وعلى أساس التفاهم لأداء دورها فيه، تَحقيقاً للمصالح المُشتركة، انسجاماً مع القيم النبيلة، وإحلالاً للسلام والأمن والاستقرار والازدهار.
في الوقت الذي يَجري فيه حديثٌ واسع عن خطة أممية للتنمية المُستدامة في العالم، تَصنع الولايات المتحدة المَزيد من الأزمات، تُفجر الصراعات، تَفتعل المُشكلات، تَفرض العقوبات، تُغذي الإرهاب الدولي وتَستثمر فيه، تُشعل الحروب وتُصعد اعتداءاتها، وتُمعن بتدمير العلاقات الدولية، ولا تُوفر في سياسات البلطجة خاصتها حتى الحُلفاء والشركاء!.
ما من استقرار أو تَعاون قائم في العلاقات الدولية، والسبب العَبث الأميركي في كل مكان. وما من استقرار في علاقات أميركا مع جميع الأطراف الدولية؟ فباستثناء العلاقة مع «إسرائيل» لا يوجد أي استقرار بعلاقات واشنطن مع أي طرف آخر، الصين، روسيا، كندا، أغلبية أوروبا ومعظم دول أميركا اللاتينية، تركيا، الخليج .. الخ، والسبب تَفرد أميركا وتَطاولها، عُدوانيتها وأطماعها في النهب والمُصادرة والهَيمنة والإلغاء وفَرض السيطرة المُطلقة على العالم، وإخضاعه بالقوّة والتهديد باستخدام فَوائضها!.
القضيةُ الفلسطينية كانت الفُرصة، وما زالت المُناسبة، التي أَوجبت في الماضي، وتُوجب اليوم ضرورة إصلاح النظام الدولي بما يَضع حَداً للفُجور الأميركي، ويَستنقذ هذا النظام من خطر الانهيار، يَنتشله من العَجز ويَمنحه قدرة الفعل .. وهناك عَشرات الحالات الماثلة التي تُظهر الحاجة للإصلاح الذي يُرسخ التعددية ويَطوي صفحة الأحادية، فنزويلا مثال صارخ، العقوبات على طهران الأنموذج. على العالم أن يَتحرك ويَتحمل مسؤولياته قبل فَوات الأوان. ما لم يَتحرك العالم للجم أميركا، فما من قيمة لليوم الدولي للتعددية، ولا لأيّ نَظريات تَبقى بمَنأى عن التطبيق!.
معاً على الطريق
علي نصر الله
التاريخ: الخميس 25-4-2019
رقم العدد : 16964