الثورة – منذرعيد:
في 21 آب 2013، استخدم النظام البائد السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية بريف دمشق، ليكتب فصلاً جديداً من فصول المأساة السورية، فلم تكن المجزرة مجرد حدث دموي أودى بحياة 1400 مدني بينهم 99 طفلاً و194 سيدة، بل تحولت إلى محطة فارقة كشفت حجم الجريمة، وعرّت المنظومة الدولية في آن واحد.ا
عتمد النظام البائد في الهجوم على صواريخ محلية الصنع مزودة برؤوس حربية تحمل غاز السارين بقدرة تصل إلى 60 ليتراً للصاروخ، لتثبت التحقيقات الميدانية أن الذخائر المستخدمة مرتبطة بترسانة جيش النظام، ما يعني أن الجريمة لم تكن عشوائية بل قرار عسكري استراتيجي يهدف لإحداث صدمة وردع الخصوم عبر وسيلة محرّمة دولياً.
ما ميّز هذه الجريمة لم يكن عدد الضحايا فحسب، بل الطريقة التي قُتلوا بها، دقائق معدودة كانت كافية ليختنق الأطفال في أحضان أمهاتهم، وتمتلئ الشوارع والمستشفيات بجثث هامدة، وأجساد عاجزة عن التنفس، ولتتحول مشاهد الضحايا إلى رمز لانعدام الإنسانية، وإلى جرح غائر في ذاكرة السوريين لا يمكن محوه.
ورغم أن الصدمة العالمية دفعت للحديث عن تدخل عسكري ضد النظام، إلا أن المشهد انتهى إلى اتفاق دولي يقضي بتفكيك الترسانة الكيماوية السورية تحت إشراف الأمم المتحدة، وهكذا، جرى تسييل الدم السوري إلى مكسب سياسي للنظام البائد، الذي نجح في تجنب المحاسبة المباشرة مقابل التزام تقني بتسليم السلاح.
رغم وضوح الأدلة الميدانية والتقارير الأممية، لم تتم محاسبة المسؤولين عن المجزرة أمام المحاكم الدولية، وهذا الفشل كشف حدود القانون الدولي حين تتقاطع المصالح السياسية للدول الكبرى، وترك الضحايا بلا إنصاف، مما عزز ثقافة الإفلات من العقاب، ولتظهر مجزرة الغوطة عجز المجتمع الدولي عن حماية المدنيين حين يكون الجاني محصناً سياسياً، كما أبرزت أن السلاح الكيماوي، رغم تحريمه، قد يُستخدم ضد شعوب بأكملها دون ردع حقيقي، لتتحول في المحصلة، الغوطة إلى مرآة لخذلان العالم أمام مأساة إنسانية موثقة بالصوت والصورة.
لم تكن الغوطة مجرد محطة في حرب طويلة، بل كانت جرس إنذار للعالم بأن الخطوط الحُمر يمكن تجاوزها دون عقاب، وستبقى الجريمة شاهداً على أن السياسة غلبت الإنسانية، وأن الدم السوري كان ورقة في لعبة المصالح الدولية، لتترك جرحاً غائراً في الذاكرة السورية.