«في الحياة نكذب كثيرا، وأكثر مانصدقه هو مانكذبه على أنفسنا، وخيبانة هي محاولة كذب فاشلة، أتت إنقاذا لروح حطمتها الحياة ومجريات مايحدث لنا ومعنا، ثم تأتي لحظة وقوفنا مع ذاتنا، حينها نكتشف فداحة جرم الكذب الذي ارتكبناه»..
بهذه الكلمات يلخص د. محمد قارصلي مؤلف ومخرج مسرحية «خيبانة» مقولته في المسرحية التي عرضت على خشبة مسرح القباني وقامت بدور البطولة الفنانة مريانا حداد، وأضاف: العمل يحكي قصة امرأة صاحبتها الخيبات والفشل في حياتها مادفعها للقيام بدور الساحرة ظنا منها أنها ستستطيع تحقيق تلك الخيبات إلى نجاح عن طريق الكذب على الناس وأنها قادرة على تحقيق أحلامهم مقابل مبالغ كبيرة من المال، وكشف تلك الظاهرة في هروب الكثير من الناس وخصوصا الشباب إلى العرافات لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم، ولكن في الآن نفسه يكشف العمل المسرحي زيف المجتمع وفساده وانتشار الرشوة والوصول إلى تحقيق الأهداف عن طريق المحسوبيات والوساطة أو بطرق غير مشروعة.
و«خيبانة» وهوليس اسمها الحقيقي تعرف في قرارة نفسها أنها تكذب على الناس وأظهرت ذلك من خلال ذكرها لإحصائية أجرتها أن من بين 100 شخص، 5 فقط من يعبرون عن الحب الحقيقي ويتمثلون معانيه السامية، ولكن المجتمع فرض عليها نوعا من الممارسات الخاطئة، ولم يوقظها من حالتها هذه إلا حالة خطف الطفلة، لتعود إلى شخصيتها الحقيقية وتنزع عنها ملابس الساحرة، لتعترف من جديد أننا نفتقد للكثير من الحب والإنسانية في علاقاتنا، فالحرب قتلت فينا الكثير من الأشياء الجميلة، وعلينا العمل لإعادة الطهر والبراءة إلى أرواحنا المتعبة.
ولم يكن العمل سهلا بالنسبة للفنانة مريانا التي قالت: رغم أني أسعى إلى الأعمال الصعبة والشخصية المركبة، فالدور لم يكن سهلا، ولاشك أن قراءة العمل على الورق تختلف كثيرا عن تنفيذه على خشبة المسرح، وخصوصا أنني لم تتح لي فرصة للتدريب بسبب انشغال المسرح بأعمال أخرى، ولكن هذا لم يثنني عن تأدية الدور بإتقان وكان لإيمان مؤلف العمل ومخرجه بي الحافز الأكبر للقيام بالعمل بشكل مقنع يؤدي الهدف ويوصل الرسالة، وأستطيع القول أن عمل المنودراما من الفنون الصعبة لأنه يعتمد على الممثل الواحد والأضواء كما الجمهور يتطلع إلى أدائه وبراعة تقديمه ويضعه على ميزان النقد والتقييم وهنا تكبر المسؤولية والصعوبة في الآن نفسه، ولكن تفاعل الجمهور،ودموع البعض خير شاهد على التأثر بالعمل والأداء، وأتمنى أن يكون العمل قد حظي على رضا الجمهور.
ويرى الناقد مرهف زينو أن العمل» خيبانة» هو محاولة للوقوف أمام ذاتنا، ومحاولة لفضح بعض مظاهر الفساد، وفي لحظات نعترف بأننا نمارس الكذب، لنكتشف بعد ذلك فداحة هذا الجرم» الكذب».
والمنودراما من أصعب الفنون لأنها تتطلب قدرا كبيرا من التركيز والوعي والحركة، وقد أجادت الممثلة مريانا حداد في أداء دورها عبر تنقلها من حالة إلى حالة، من الضحك إلى الحزن والبكاء، وكانت قادرة على إقناع المشاهد بما تقدمه.
وكان للإضاءة دورها، حيث تمكن بسام حميدي من إعطاء مسحة فنية راقية للعرض، كما استطاع الفنان سامر الفقير التفوق بوضع المؤثرات الموسيقية ماأضفى على العمل نكهة خاصة، هذا إلى جانب مشاركة الفنانين براء سمكري وعبدالله فتال.
وأضاف: لاشك أن مؤلف العمل ومخرجه استطاع وبحرفية عالية أن يقدم لنا وجبة مسرحية دافئة أعادتنا إلى عالمنا الداخلي للوقوف لحظات صدق مع النفس وإعادة ترتيب أجندة حياتنا من جديد.
فاتن أحمد دعبول
التاريخ: الخميس 9-5-2019
رقم العدد : 16973