عذبة تلك الأيام كعذوبة نفحات من طيب وطَيب نتطيب عطرها في خير الأيام والأنام,تزهو بنا الذاكرة وهيهات هيهات أن يجود الزمان بمثلها.. لم يكن يرهقنا شيء، حسبنا أن نجتمع على موائد الإفطار وندعو الله أن يديمها نعمة ولمّة، على أنغام الأناشيد الدينية من طراز (أحمد يا حبيبي سلام عليك، ياعون الغريب سلام عليك جئت بالتوحيد، فزت بالتمجيد، ياعون الغريب سلام عليك..).
وصلات من الموشحات تزهو بها ذاكرة الفن تمجد نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام وتدعو إلى الله.. اليوم تهتز الصور بين يدي وفي ذاكرتي والعديد من الكراسي الفارغة تترك بصمة وأثرا للحزن والألم والفقد ليتسلل إلى قلوبنا، وغصة وحرقة مع كل شراب أو طعام إفطار أو سحور في الشهر الفضيل.. عديدة هي الأماكن التي اكتظت بصور الغائبين عن موائد الإفطار، غاب الأحباب وغابت معهم اللّمة وصحبة من هم فيض محبة ولطف معشر، وبقي الحزن ضيف الموائد السورية في سنين الحرب العجاف..
حسبنا مع هذا الحزن أن نزرع الفرح والبسمة على وجه يتيم أو فقير أو أم ثكلى أو أب مكلوم لا يقوى على الخروج من منزله، حسبنا ألا نقسو عليهم كما قست الحياة..
حسبنا أن نكون إلى جوارهم كلّ بحسب استطاعته لإخفاء عيوب وجور الزمان وجور كل يد طالت أمن وأمان السوريين.. حسبنا أن نكون معا يدا واحدة في رد الظلم والطغيان وهنّات الزمان وأن تملأ قلوبنا المحبة قبل أن يملأها أي طعام أو شراب، وألا يغرينا رغيف الخبز ويكون كسرة خبز نتقاسمها مع من نحبهم ويحبوننا ولا يطيقون غيابنا الأبدي..
حسبنا أن نكون إلى جوار أم لا وصف للوعتها وفجيعتها حين فقدت ابنها قبلها وهي التي كانت تأمل أن يعيش دهراً بعدها، لن تكون مائدة الإفطار عندها سوى نحيب على كل ما أحبه فلذة كبدها من صنوف ما كانت تتأمل أن تحضّره له بدموعها قبل يديها..
حسبنا من الأيام في الشهر الفضيل الحياة الكريمة والأفضل لكل السوريين، نحتفل بجلاء كل الهموم وجلاء الغيمة السوداء التي أمطرت فجيعة تسكن دواخلنا يصعب الرثاء معها، وعزاؤنا الوحيد فيها أننا رغم خسارتنا وفقدنا العديد من الأحبة يبقى نبض الحياة فينا يشدنا إلى الفرح المتألق بالنصر القادم والفرج القريب لأننا شعب وأبناء أمة تستحق الأفضل..
هناء دويري
التاريخ: الجمعة 10-5-2019
الرقم: 16974