أسوء خيار في سد عجز الخزينة هو اللجوء إلى حقوق ومزايا العاملين في الدولة وهناك نظريات تحذر من هذا الأمر، لأن المساس بحقوق العاملين في الدولة يؤدي إلى هجرة الكفاءات والخبرات، ويعزز من الفساد لأن العامل سيسعى لتعويض ما فقده كي يستمر في تامين متطلبات العيش وبالتالي تسود الفوضى وحالات الابتزاز والالتفاف على القانون.
لم يصل الأمر في أي وقت مضى إلى أن يتم جلب العاملين إلى العمل وتركهم يعودون على نفقتهم أو يتم إيصالهم لمنتصف الطريق، فالعامل الذي بذل عرقه يجب أن يتم إيصاله إلى بيته وهو منهك لا أن يُترك ضحية لجشع سائق أو أن يبقى على الطريق ساعات فيذهب وقته وماله وعافيته.
أعلى نسبة تحصيل ضريبي هي من العاملين في الدولة وأقلها من التجار وعليه على الجهات المعنية التي تعمل لزيادة موارد الخزينة أن تذهب إلى ملف التهرب الضريبي وليس إلى الموظف الحكومي، فالتهرب الضريبي كبير ويُقدر بأرقام كبيرة جدا يمكن أن يساهم في سد جزء مهم من عجز الخزينة وهو حق، ولكن يبدو أن الضرب للخروج من الدائرة يكون على الحلقة الأضعف.
الموظف لم يعد يحتمل كل هذا الإجحاف، وهو يقدر الوضع ويتفهم بأنه لا إمكانية لزيادة الراتب الذي تآكل بالتضخم ولكنه لا يحتمل حرمانه من حقوق وليس مزايا أهمها النقل من المنزل إلى العمل وبالعكس، في ظل نقص كبير في وسائل النقل الجماعي وغياب حقيقي للضمير والرقابة في وسائل النقل الخاص.
عندما يتم اتخاذ قرار بخفض المحروقات يجب أن تكون هناك وسائل نقل متاحة ومنطقية لا تستهلك نصف الراتب، ويجب أن يكون هناك جهات رقابية قادرة على ضبط وسائل النقل الخاصة.
لم يكن الأمر بهذا السوء يوما ولا يُمكن معالجته بمنع الإجازات بلا أجر، وإنما بالعودة عن قرارات تخفيض التعويضات والمحروقات والبحث عن البدائل في مطارح تلتقي فيها مصالح الشريحة التي تأخذ ولا تدفع.
هناك مثل دانماركي يقول: «عندما تصل المصيبة إلى ركبة الغني فإنها تكون قد تجاوزت رقبة الفقير» وهذا المثل ينطبق على الفقير بشقه الثاني ولكن المصيبة لم تلامس حتى كعب الغني.
على الملأ
معد عيسى
التاريخ: الثلاثاء 14-5-2019
رقم العدد : 16977