تأثير الحياة في الفن والأدب

ملحق ثقافي:

كان الباحثون يعتقدون أن الفن يقلد الحياة، حيث يمثل الرسام ما يراه من خلال إنتاج مشهد على قماش. النحات يفعل الشيء نفسه مع البرونز أو الحجر. المصور أو صانع الأفلام يقوم بذلك بشكل أكثر مباشرة. يصف الكاتب الحياة في كتبه. 

لكن بعض الباحثين شككوا في الطبيعة أحادية الاتجاه بحجة أن الفن يغير أيضاً الطريقة التي ننظر بها إلى العالم، وفي الواقع، تشبه الحياة أحياناً الفن بدلاً من العكس. الشخص الذي أوضح هذا الاعتقاد بفعالية كان أوسكار وايلد. في حديثه عن الظروف الضبابية في لندن في أواخر القرن التاسع عشر، كتب أن الطريقة التي نتصور بها تغيرت بسبب الفن. وبالإشارة إلى «الضباب البني الرائع الذي يتسلل إلى شوارعنا، مما يؤدي إلى طمس مصابيح الغاز وتحويل المنازل إلى ظلال»، جادل قائلاً إن «الشعراء والرسامين علموا الناس محبة هذه الآثار». وحسب وايلد «لم تكن موجودة إلى أن اخترعها الفن».
على مر التاريخ، كان الحال دائماً أن الفن لديه القدرة على تغيير المجتمع، خاصةً عند استخدام وسائط جديدة للتعبير عن فكرة. أثناء الحرب العالمية الأولى، على سبيل المثال، تم استخدام كاميرات الأفلام لأول مرة لتسجيل حرب الخنادق – عندما تم عرض الفيلم في دور السينما في بريطانيا، هرب الجمهور وهم يصرخون. وقد أدى ذلك إلى فرض الرقابة الحكومية على مثل هذا الاستخدام القوي لهذه الوسيلة القوية. وفي الرقابة الحكومية، واستخدام الفن كدعاية، نرى مدى جدية الحكومات في التأثير على الفن. 

يمكن أن يخضع التعبير الفني لأفكار معينة بهدف السيطرة. ومن الأمثلة الرائعة على ذلك كتاب «عشيق السيدة تشاتيرلي» للكاتب دي إتش لورنس، والذي اعتُبر مسيئاً على عدة مستويات. في هذا الكتاب، تزوجت كونستانس ريد، وهي امرأة من عائلة من الطبقة المتوسطة الليبرالية التقدمية، عضواً ثانوياً في الطبقة الأرستقراطية، اللورد كليفورد تشاتيرلي، وحصلت على لقب «ليدي تشاتيرلي». لكن زوجها أصيب في الحرب العالمية الأولى، وأصبح مقعداً على كرسي متحرك. على الرغم من هذا، يصبح كاتباً ورجل أعمال ناجحاً. إنه هاجسه بالنجاح المالي والشهرة أكثر من أي صعوبات جسدية بينه وبين زوجته، وتبدأ علاقة غرامية مع حارس اللعبة، أوليفر ميلورز.

صدمت الأوساط الأرستقراطية في ذلك الوقت – وصدر الكتاب في إيطاليا في عام 1928. أولاً، كانت هناك حقيقة مفادها أن الكتاب كان «فاحشاً»، بالطريقة التي تناول بها تفاصيل واضحة العلاقة التي حدثت. ثانياً، كانت هناك حقيقة أن المرأة كانت تخرق وعود زواجها، وهو أمر يعتبر أسوأ بكثير من تصرف الرجل بنفس الطريقة. أخيراً، مثلت علاقة حميمة بين أحد أفراد الطبقات «الدنيا والطبقات «العليا»، وهو مفهوم كان من المحرمات تماماً في بريطانيا في ذلك الوقت. تم حظر الكتاب. 
ولكن تم إعادة نشر الكتاب من قبل دار بنغوين للنشر في عام 1960. وكان على المدعي العام، رينارد مانينغهام بوللر قراءة أربعة فصول فقط ليقرر مقاضاة كتب بنغوين لنشرها. ما أثار إزعاجه لم يكن المحتوى فحسب، بل حقيقة أن سعر الكتاب كان يعني أنه كان في متناول النساء وأعضاء الطبقات الدنيا. وهنا يجب التذكير بأن عدداً قليلاً فقط من النساء يعملن في ذلك الوقت، وأن الأزواج عادة ما كانوا مسؤولين عن الشؤون المالية للأسرة.
كانت المحاكمة كارثة لمانينغهام بوللر والادعاء. لقد فشلوا في العثور على أي خبراء يدعمون قضيتهم، في تناقض صارخ مع فريق دفاع بنغوين، الذي ضم مؤلفين وصحفيين وأكاديميين وحتى أعضاء من رجال الدين للدفاع عن الكتاب. لم يكن لدى مانينغهام بوللر وفريقه سوى فكرة بسيطة عما كان لورنس يحاول التعبير عنه في كتابه، حيث كان يتم التعرف عليه بانتظام من خلال الرؤية الفائقة للشهود الذين كانوا يحاولون اللحاق به. على الرغم من أنهم حاولوا صدمة هيئة المحلفين لم يتمكنوا من إثبات أن الكتاب سيكون له تأثير سلبي على القراء الذين كان يستهدفهم. 
لم يكن لأي حكم آخر في التاريخ البريطاني تأثير اجتماعي عميق. على مدار الأشهر الثلاثة التالية، باعت دار بنغوين ثلاثة ملايين نسخة من الكتاب – مثال على ما تم وصفه بعد سنوات عديدة بأنه «التأثير»، الذي لا تؤدي به محاولة قمع كتاب من خلال التقاضي غير الناجح إلا إلى ترويج مبيعات ضخمة. لقد منحت هيئة المحلفين – ذلك الممثل الأيقوني للمجتمع الديمقراطي – حداً لموقف المحرمات حول النقاش الجنسي في الفن والترفيه. في غضون سنوات قليلة تم إلغاء الرقابة المشددة على المسرح من قبل اللورد تشامبرلين، وظهرت واقعية شجاعة في السينما والدراما البريطانية. 
هل يمكننا القول، مع ذلك، إن الفن في هذه الحالة هو الذي غيّر المجتمع، أم أنه تفاعل بين العلوم الإنسانية (أي القانون) والفنون (الكتاب) الذي أدى إلى التغيير؟ تعلق الغارديان: «إن الرسالة التي تبعثها رواية «عشيق السيدة تشاتيرلي» بعد نصف قرن من التجربة، هي أن الأدب بحد ذاته لا يضر على الإطلاق. إن الضرر الذي يُنسب إلى الكتب – وإلى المسرحيات والأفلام والرسوم المتحركة – ناتج عن تصرفات الأشخاص الذين يحاولون قمعها.

التاريخ 14-5-2019

رقم العدد:16977

 

آخر الأخبار
الرئيس الشرع يستقبل وفداً كورياً.. دمشق و سيؤل توقعان اتفاقية إقامة علاقات دبلوماسية الدفاع التركية تعلن القضاء على 18 مقاتلاً شمالي العراق وسوريا مخلفات النظام البائد تحصد المزيد من الأرواح متضررون من الألغام لـ"الثورة": تتواجد في مناطق كثيرة وال... تحمي حقوق المستثمرين وتخلق بيئة استثماريّة جاذبة.. دور الحوكمة في تحوّلنا إلى اقتصاد السّوق التّنافس... Arab News: تركيا تقلّص وجودها في شمالي سوريا Al Jazeera: لماذا تهاجم إسرائيل سوريا؟ الأمم المتحدة تدعو للتضامن العالمي مع سوريا..واشنطن تقر بمعاناة السوريين... ماذا عن عقوباتها الظالمة... دراسة متكاملة لإعادة جبل قاسيون متنفساً لدمشق " الخوذ البيضاء" لـ "الثورة: نعمل على الحد من مخاطر الألغام ما بين إجراءات انتقامية ودعوات للتفاوض.. العالم يرد على سياسات ترامب التجارية "دمج الوزارات تحت مظلّة الطاقة".. خطوة نحو تكامل مؤسسي وتحسين جودة الخدمات بينها سوريا.. الإدارة الأميركية تستأنف أنشطة "الأغذية العالمي" لعدة دول The NewArab: إسرائيل تحرم مئات الأطفال من التعليم الشعير المستنبت خلال 9 أيام.. مشروع زراعي واعد يطلقه المهندس البكر في ريف إدلب برونزية لأليسار محمد في ألعاب القوى استجابة لمزارعي طرطوس.. خطّة سقاية صيفيّة إيكونوميست: إسرائيل تسعى لإضعاف وتقسيم سوريا المجاعة تتفاقم في غزة.. والأمم المتحدة ترفض آلية الاحتلال لتقديم المساعدات أردوغان يجدد دعم بلاده لسوريا بهدف إرساء الاستقرار فيها خطوة "الخارجية" بداية لمرحلة تعافي الدبلوماسية السورية