«كان الحداء أول الغناء عند العرب، والحِداءُ تَرَنُّم بسيط ببعض الكلمات، ضمن مساحة صوتية محدودة جداً وعلى وتيرة نغميةٍ واحدة، إذ استُخدم في البوادي بهدف تنظيم حركة سير الإبل وتوحيد وضبط خُطاها أثناء سير القافلة في الصحراء الواسعة، ويُنظم الحداءُ على بحر الرَّجز» بهذه الكلمات بدأ محاضرته «الزَّجل والموَشَّح في الغناء العربي» رامي درويش في الجمعية التاريخية بحمص بمناسبة عودة انطلاقتها للنشاط بعد أن رحب مدير الجمعية التاريخية عبد الرحمن بيطار بالحضور.
تابع درويش حديثه: ثم تطور الغناء العربي خلال العصر الأموي، ما مهَّد لظهور الشعر الغنائي (كشعر عُمَر بن أبي ربيعة)، أمّا المـُغَنّون فقد كان أشهرهم طوَّيس (عيسى بن عبد الله) فيما كان يونس الكاتب أول من وَثَّقَ من العرب أخبار المغنين وأغانيهم، ومن كُتُبِهِ (النغم) و(القيان) ثُمَّ جاء العصر العباسي، وفيه ظهر الغناء العربي المتقن، وهو غناء احترافي يؤديه مُغَنٍّ مفرد بارع الصّوت بمرافقة موسيقيّة (أي أصبح هناك تخصُّص) ثم ظهر من الغناء العربي المتقن تيّاران؛ الأول بزعامة إبراهيم الموصلي وابنه اسحاق، ويمثِّل المدرسة التقليدية المحافظة، والثاني بزعامة إسماعيل بن جامع وإبراهيم بن المهدي، ويُمَثِّل المدرسة التجديدية، ويُعتبر العصر العباسي العصر الذهبي للشعر الغنائي والموسيقا العربية.
وتابع: أما الموشح فهو منظومة شعريّة غنائية استحدثها العربُ في الأندلسِ كتقليد للشعر المـُسَمَّط، لكنهم سرعان ما ابتدعوا أساليب شِعرية جديدة خاصّة بهم سموها (الموشحات) فكانت من حيث أوزانها وقوافيها إبداعاً جديداً في الشعر العربي، أما سببُ تسميته الموشَّح فيعودُ إلى كلمةِ الوشاح، والوشاحُ هو نوعٌ من الألبسةِ التي كانت ترتديهِ المرأةُ في الأندلسِ فوق ملابسها لتتزين بهِ، ففي الموشَّح مقطعٌ شعري يُدعى القُفلِ، الذي يأتي كالوشاحِ في نهايةِ فقراتِ الموشَّحِ المتعدّدةِ (الأدوار)، فيختمها ويزيّنها، ومن أشهر الموشحات الأندلسية: موشح (جادك الغيث) للسان الدين بن الخطيب، ومن أشهر الوشاحين في الأندلس مقدّم بن معافر والقبري.. والخلاصة فإن الموشح هو الجوهرة النفيسة للشعر الغنائي العربي الذي وُضِع أساساً كي يُغنى.
أما الزَّجَل فشعر غنائي عامّي شعبي نشأ في الأندلس أيضاً، وينسب ابتكاره إلى أبو بكر بن قزمان الذي كتب ما يزيد عن (149) مقطوعة زجلية متنوعة المواضيع، ومن الأندلس انتقل الزجل إلى المغرب العربي ثم إلى المشرق العربي، وقد تعلق أهل الأندلس بالزجل نظراً لسهولة نظمه، وهو ما ساعد في انتشاره سريعاً، أما من الناحية النظمية فهو أحد أحدث أشكال الشعر العربي الغنائي باللهجات المحكية لكل بلد أو منطقة، وأول الزجل في الأندلس كان (المواليا والقوما والكان كان) البغدادية الأصل، أما الكان وكان فتستخدم لنظم الحكايات وتقديم المواعظ والنصائح والحكم، فيما تستخدم القوما لإيقاظ الصائمين وقت السحور أيام شهر رمضان الفضيل، أما في العصر الحديث، فقد مال الزجالون إلى النظم في القوالب البسيطة رباعية الوحدات على ما يُشبه المواليا بأغراض متعددة غالباً ما تكون غزلاً أو مديحاً أو شوقاً إلخ.
احتفى المشرق العربي بالزجل فظهر منه منظومات شعبية صغيرة مستحدثة كالعتابا والميجنا والزلوف والمخمس المردود وغيره.
سلوى الديب
التاريخ: الخميس 16-5-2019
رقم العدد : 16979
