مرهقةٌ أفكارنا، ومتورِّمة بآلامنا.. آلامُ كلماتنا اليَقِظة، تنزفنا لحظة لحظة.. قد أحرقها الإحساس، في زمنِ الأنجاس.. زمنُ التيهِ الذي يجمع، كلّ من شاءنا نتوجَّع.. زمنُ اللاجدوى وإنساننا، تشظّى بأمِّيةِ أفعالنا.. أمّية الجهل الملعون، قد استشرى فينا بجنون، فكيفَ لعقلٍ أن يَعقَل، وجنونٌ فينا يتأمَّل؟!.
جنونٌ أفقدهُ صبره، من شدَّةِ ماتاه أمره.. تاهَ فلفحهُ هواه، وأطاحَ بما يهواه.. جنونٌ طعنَ عافيته، فاختلَّ توازن معرفته.. آخر أغراهُ بأنْ، تعال نحكي عنْ.. ماضٍ كان وحكاياه، ذاكرة تستوطنُ في أناه.. يُستدعى إليها تُرهقهُ، ينجو منها تلاحقهُ.. يلحُّ على الآتِ عَلَّهْ، يتلاقى فيه مع ظِلَّهْ.. ظلُّ العاقلِ والمعقول، يرنو إليه من المجهول.. مجهولٌ يصفع أيامه، تتهاوى قامة أحلامه.. يغيبُ العقل ومرقدهُ، أرقٌ قد ألفَ توسُّدهُ..
هو حاضرٌ غدَّار، قد أشعل فينا النَّار.. سنخمدُها بأمانِ وطننا، وعناقهُ أبدَ تجدُّرنا.. في عمقِ أبجديته، وسطوعه وحضارته.. يامن تخلعنا لن نُخلَعْ، مهما نزفناهُ وتوجَّع.. فينا العقلُ الحكيم، من الفكرِ الرجيم.. من سفيهٍ يعتلي، حماقتهُ فنبتلي.. بفاسدٍ وجبان، يتوارى في الإنسان.. بالمعرَّفِ بحرامه، وبحقدٍ جُرَّ بإجرامه.. بلصٍّ سرقَ أحرفنا، أراد تتوهُ معارفنا.
لا لن نتوهُ وإن تُهنا، بجنونِ العقلِ تعقَّلنا، وكأنَّما صرنا دليلا، لمعجزةِ المستحيل.. نحيا وفينا الروح، تئنُّ كما المجروح.. بصوتٍ يصمتُ وينادي: مسكونٌ فيك يابلادي.. مسكونٌ بالحقِّ ضميرك، وأزلية نوركِ وعبيرك.. بكلماتٍ أنتِ موطنها، إن تاهتْ قلبكِ يُرشدها..
يا للقلبِ الجسور، يضجُّ بالشعور.. بمن عانقهُ وكم أخلص، لهُ حباً منه تنفّس.. تنفّس فارتدَّ مصيره، حيَّاً في ذاته وتنيره.. شمسُ بصيرته، بعينِ سوريّته.. وطنُ العقولِ ولن يَعقل، من جُّنَّ فيهِ ولم يثملْ.. من دمٍّ سرى بشريانه، فاضَ أحمرهُ وأوانه.. أوانُ النصرِ وقد آن، النشيدُ وكان ياما كان.. نشيدُ المجدِ وزغاريد، تردُّ إلينا كلّ شهيد.. كان ياما كان وحكايتنا، أعدناها وهويَّتنا.. شعبٌ كُلِمَ فتكلّم، بعقلٍ فيه يتألَّم.. جُنَّ فتأبّط هذيانه، امتلكَ العقل وزمانه..
هفاف ميهوب
التاريخ: الخميس 16-5-2019
رقم العدد : 16979
