إذا أردت أن تتعلم في مدرسة الحياة فخض تجارب الواقع صغيرها وكبيرها واستفد ممن قطعوا شوطا في برمجة حدود الآلام والتي غالبا ما تتفجر سلوكا ابداعيا يفجر طاقات ايجابية كامنة ننحني لثمار نتائجها .
الأستاذ عبد القادر السعيد الذي التقيته صدفة لا يوجد في قاموسه شيء اسمه المستحيل ولا يسمح للضعف ان يتسلل إلى داخله، ليس لديه كف ومع ذلك يقود الدراجة النارية وخلال يومين من التصميم والتدريب أتقن القيادة .يعمل السعيد في وزارة التربية منذ ١٣ عاما وحاصل على المركز الأول في معهد الكمبيوتر ومدرس المعلوماتية والمسؤول عن صيانة أجهزة مركز الباسل بالوزارة هذا الشاب المبدع لا يوجد عنده شيء اسمه إعاقة لا في الأطراف السفلية ولا العلوية .ورغم وجودها فإنه لا يشعرك أنها موجودة .
في مركز التأهيل المهني للمعوقين كانت روحه المرحة ووسامته وخفة حركته تعكس عزيمة قوية في داخله تجعل الناظر إليه لا يكتشف أن هناك شيئا لافتا في يديه..فأثناء لقائي بالمقدم الجريح البطل فراس شيحة دخل عبد القادر المركز وبالتأهيل والترحيب وعزيمة على فنجان قهوة لم ألحظ أي شيء غريب في أطرافه العلوية سوى خفة الحركة والرشاقة وابتسامة لا تفارق وجهه البشوش.
حين يكون الأب معلما
عبد القادر الذي وعى طفولته على وجود إعاقة في يديه بعدم وجود الكف وأحد أطرافه السفلية يوصف حالته بالقول..منذ طفولتي هذا وضعي،لكن الفضل الكبير يعود لوالدي الذي لم يشعرني يوما أنني طفل ذو إعاقة ،بل كان يطلب مني القيام بأعمال مناسبة مع كل مراحل نمو جسدي ،حيث لم أسمع منه يوما عبارة اعمل هذا ولا تعمل ذاك..فقط عبارته التي يرددها باستمرار لديك القدرة على إنجاز اي عمل تحتاجه ونحتاج منك.،كان والدي يأخذني معه ويطلب مني القيام ببعض الأعمال المناسبة .
كما يوضح أنه كان من الأوائل ورغم ذلك كان يتلقى بعض الإشارات السلبية من الناس والمحيطين به ،حيث كانوا يقولون له(مالك ومال الدراسة..افتح صنعة).فكان رده أنه سوف يصبح مدرسا ويقوم بعمل لا أحد يقوم به وربما يتفوق على مهنة والده المدرس.لافتا أنه حين ظهرت المعلوماتية كان الأول في هذا الاختصاص وصمم على أن يكون متميزا فكان له ما تمنى وأراد ،شعاره أن لاشيء يعيقه في العمل والمركز الأول ،طموح وهدف أول .
محاسن الصدف
وحول كيفية ممارسته الرياضة لعدم وجود الكف في يديه ذكر عبد القادر السعيد أن صديقه طلب منه يوما أن يوصله على الدراجة إلى ملعب كرة الطائرة والريشة في وقت لم يكن يعلم شيئا عن هذه الألعاب كالريشة وغيرها وحين أوصله تأمل طريقة اللعب والحركات،وطلب مضربا وأخذ يزاول هذه الحركة وحين رآه الكابتن أحمد عطايا مدرب فريق أبطال من تحت الركام للرياضات الخاصة شجعه كثيرا على ذلك،ولم يمض شهران على هذا التحدي حتى دخل عبد القادر مسابقة وحقق فيها نتائج جيدة بفضل الصدفة التي جمعته من خلال توصيل صديقه الى الملعب ،ولأن طريقة مهارته في اللعب كانت لافتا سأله أحدهم .كيف يمكن لك ان تمسك مضرب الريشة بيديك ولا يوجد عندك كف ! ؟ هذا السؤال وغيره دفعه إلى تصميم مضرب خاص به لتصبح طريقة اللعب أقوى. كما أنه صمم طرفه السفلي بنفسه شاكرا لمشفى حاميش الذي يقوم بأعباء كبيرة وإنجازات رائعة على مستوى صناعة الأطراف الصناعية .
يمشي السعيد بسرعة لافتة في خطواته رشاقة ومرونة كما قلنا لا تعكس أن لديه إعاقة طرف سفلي أو يدين ليس فيهما كف.
نظرته الشخصية
أمنية السعيد باعتباره أمين سر الجمعية السورية لذوي الإعاقة ألاّ يرى شخصا معوقاً لا يستطيع أو لا يقدر على القيام بأي عمل يناسبه كما يفعل البعض ،لذلك يطمح ومن خلال اختصاصه للحاسوب أن يقدم دورة مجانية لأي شاب راغب وبحاجة إلى دورة حاسوب من هذه الشريحة،موضحا أنه يعمل الآن على فتح فرع بالجمعية(معهد مجاني لتدريب من يرغب من ذوي الإعاقة )في محاولة لإلغاء عبارة «أنا لا أقدر»في المحيط الذي يعملون به.
وبين أ مين سر الجمعية السورية للمعوقين أن من أكثر الظواهر ازعاجا إلى حد ما حين ترى شبابا في الشوارع يتسولون بطلب المساعدة من الآخر.وأنا كشخص لا أحب هذا السلوك وهذا التصرف،فالحياة لا تتوقف عندما يصاب المرء بأي ضرر أو عائق ، متسائلا هنا لماذا لا نطمح وألاّ نقبل بمد اليد طلبا للمساعدة وتقديم المعونة مع تحمل نظرات الشفقة التي لا ترحم ولا يقبلها من لديه ضمير حي .عبد القادر الذي ينتمي لأسرة أبطال تحت الركام ،لا يريد شيئا من هذه الدنيا قاعدته الأساسية في الحياة (لاتعطني سمكة..علمني الصيد).
يذكر أن السعيد حصل في الرياضات الخاصة على بطل الجمهورية منذ ثلاث سنوات بالريشة ،والسباحة ،والطائرة، والبيم بون ، متزوج ولديه أربعة أبناء ،نور الدين ،بيان ، ليان،صفاء .
غصون سليمان
التاريخ: الخميس 16-5-2019
رقم العدد : 16979