عندما يُقدّم الفنان المبدع دوراً بحرفية عالية نُعجب بأدائه وبآلية تعاطيه مع مفردات الشخصية ومدى المصداقية التي حرص على تحقيقها، ولكن عندما يظهر الممثل وهو مُشبع من الشخصية وممتلئ منها إلى درجة تقديمها بروحه وبكل جوارحه، باحثاً عن (الجوّاني) فيها فيتبناها لتبدو كأنها تحولت إلى مشروعه الشخصي وهمه الحقيقي، يتعامل معها بشغف المحب ويتغلغل في كل نسمة منها حتى تختلط أنفاسه مع أنفاسها، عندها نقول إنه الفنان عباس النوري في دور نجيب ضمن مسلسل (ترجمان الأشواق) إخراج محمد عبد العزيز وتأليف بشار عباس، إنتاج المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني.
هذه الحال التي بدا عليها الفنان عباس النوري منذ المشاهد الأولى لشخصيته في العمل، معرفاً بآلية تفكيرها من خلال مجموعة مواقف تشي بوضوح على أي أرض تقف، ومن الأمثلة على ذلك رفض نجيب العودة إلى البلد إلا بجواز سفر سوري غير آبه لأية عواقب قد يتعرض لها، فهو المُثقف والسجين السياسي السابق الذي هرب إلى الخارج، وبعد مرور سنوات طويلة أصبحت فيها ابنته الصغيرة فتاة شابة يقرر العودة للبحث عنها بعد اختطافها وسط ظروف الحرب القاسية، هذا المفتاح الذي يفتح له الباب أمام عالم كامل كان يدير له ظهره يوماً أثناء مكوثه في الخارج، ولكن ما إن يصل إلى سورية حتى يبدأ برحلة يكتشف فيها كل ما حوله رويداً رويداً، وكأنه يمر بحلم طويل، هي حالة تمازجت فيها البساطة والعمق إلى حد الانصهار، حتى علاقاته الإنسانية بأقرب الناس إليه والتي كانت تدار من خلال اتصالات السكايب وهو في الخارج بدت هنا مختلفة عندما أصحبت علاقة إنسانية مباشرة تدار وجهاً لوجه، الأمر الذي يمكن تلمسه من خلال تفاصيل يومية صغيرة وآلية تعاطيه معها.
كثيرة هي العبارات التي جاءت على لسان الشخصية وحملت دلالاتها وعمقها، وجاءت منسجمة مع نمط تفكيرها وطبيعة التحولات التي طرأت عليها خلال مسيرة الأحداث. ولكن يبقى السؤال للقادم من الحلقات: إلى أين سيفضي به المآل ؟ هل سيجد ابنته؟ هل يكتشف نفسه من جديد؟ ما الذي سيجده بعد رحلة المعرفة التي يخوضها خاصة بعد أن تسرب إلى عالم ابنته عبر كتاباتها وغرفتها الخاصة بكل ما فيها من تفاصيل؟.
الثورة – فؤاد مسعد
التاريخ: الأثنين 20-5-2019
رقم العدد : 16981