مع اختلاف المسميات المشكلة واحدة..متنمر.. عدواني.. غاضب

إساءة المعاملة واستعراض القوة نراها في مجتمعنا أحياناً وهي ظاهرة ملموسة في أحيان كثيرة، ربما الظروف القاسية التي يتعرض لها الأشخاص تدفع بهم لذلك ولكن كثيرون ممن يقومون بهذا التصرف يعانون من اضطرابات نفسية دون علمهم بها.. نسميهم عدوانيين- غاضبين.. الخ اليوم أصبحت التسمية التي تطلق على أولئك «المتنمرين».
كثرت في الآونة الأخيرة اللقاءات ..المقابلات ..والأبحاث المعنية بقضايا التنمر واليوم نلقي الضوء على هذا الاضطراب النفسي أو المشكلة الاجتماعية، نبدأ بتعريف المتنمر: هو من تشبَّه بالنمر بسوء خلقه وشراسته وصراخه وتشتق كلمة التنمر في اللغة العربية من «النمر»، وذلك لتشبيه سلوك من يقوم باستغلال قوته في إساءة المعاملة بالنمر الشرس والمفترس.
دوافع التنمر
لنتمكن من فهم سلوك المتنمر والوصول إلى حلول فعالة للتنمر لا بد أن نحلل دوافع المتنمرين بعمق، لأن التنمر يتصف «بالقهرية» نوعاً ما، أي إن المتنمر بالكاد يتمكن من السيطرة على سلوكه العدواني هذا أو التحكم به.
يتصف بعض الأشخاص بالسلوك العدواني منذ الطفولة، والعدوانية عند الأطفال تعتبر جزءاً من تكوين شخصيتهم، فغالباً ما يجرب الأطفال انتزاع ما يريدونه بالقوة، وإظهار غضبهم كوسيلة للابتزاز العاطفي، وهنا يكون دور الأهل والمربين في تقويم سلوك الأطفال والتحكم بردة فعلهم تجاه الحرمان، فعندما يحسن الأهل التعامل مع سلوك أطفالهم العدواني دون إضعاف شخصيتهم سيتعلم الأطفال أن العدوانية ليست الطريقة الأفضل في الحصول على الأشياء وتحقيق الرغبات.
وعندما يرضخ الأهل لغضب أطفالهم أو يدخلون معهم في صراع ندّي وعدوانية متبادلة أو مساومة يترسخ السلوك العدواني عند الطفل وينتقل معه إلى المدرسة وقد يصبح سمة من سمات الشخصية ترافق الطفل على مدى حياته، وتكون الدافع الأساسي لممارسة التنمر.
التنمر بوصفه ردة فعل
في أحد مشاهد مسرحية «كاسك يا وطن» للكاتب السوري محمد الماغوط، يقول بطل المسرحية (دريد لحام الشهير بـ غوار) لزوجته مبرراً تعنيفه لها: هم ضربوني، وأنا أضربكِ، وأنتِ اضربي الأولاد، والأولاد يضربون أولاد الجيران، معركة دائرة!.
فمن أبرز دوافع المتنمرين الرد على التنمر الذي تعرضوا له، فإذا وضعنا التنمر المدرسي تحت المجهر وحاولنا تحليل سلوك الطالب المتنمر نجد أنه يتعرض للتنمر في منزله، أو يتعرض للتنمر من أصدقائه خارج المدرسة، فيكون تنمره على أقرانه ردة فعلٍ واستكمالاً للدوران في دائرة إساءة المعاملة.
كذلك عندما يسيء المدير إلى مرؤوسه المباشر، الذي بدوره يسيء لمن هو أدنى منه في الهرم التنظيمي كنوع من تنفيس الغضب، بل إن الذي يتعرض للتنمر في وظيفته دون أن يتمكن من الدفاع عن نفسه سيكون معرضاً أكثر للتعامل مع أهل بيته وأطفاله بتنمر أيضاً.
أسباب التنمر
من أبرز أسباب ودوافع التنمر الفروقات الفردية والاجتماعية، فعلى مستوى الجامعات يتعرض الطلاب الفقراء للسخرية من قبل الطلاب الأغنياء، الطالب الضخم يتنمر على الطالب القصير، والفتيات الرشيقات يتنمرن على الفتيات البدينات…إلخ.
في حقيقة الأمر لا يمكن أن يخلو تجمع بشري من الفروقات الفردية والاجتماعية، لكن ثقافة المجتمع ككل وتربية الأفراد هي التي تتحكم بطريقة التعامل مع هذه الفروقات الفردية التي لطالما كانت سبباً للتنمر.
السلطة والسيطرة كدوافع للتنمر حيث إن صاحب السلطة أو القرار مهما كانت سلطته متواضعة لن يدخر جهداً في التعسف باستعمال تلك السلطة حتى أبعد الحدود.
ويمكن أن نلاحظ ذلك إذا أمعنا النظر في المتنمرين لنجد أنهم غالباً ما يختارون من هم أدنى منهم من حيث السلطة والقوة ليمارسوا عليهم التنمر، فلو اعتقد المتنمر أن ضحيته قادرة على الرد أو الدفاع عن نفسها لما أقدم على التنمر أصلاً.
ولا نبالغ إن قلنا أن التنمر ثقافة ففي كل التنظيمات الاجتماعية هناك تسلسل للسلطة، لكن العبرة أن يجيد صاحب السلطة استعمال سلطته، وألا تتحول السلطة لسوط يجلد به كل ضعيف.
الرغبة في إثبات الذات أمام الآخرين وتعويض الشعور بالنقص أو النبذ تعتبر من أبرز أسباب ودوافع التنمر، فالمتنمر يعلم أن إهانة شخص آخر تجعله مرهوباً وربما محبوباً، لذلك نجد المراهقين لا يفوتون الفرصة بالعدوان على أقرانهم الضعفاء لأن في ذلك إثباتاً للذات أمام الآخرين وهذا ليس ذنب المتنمر فقط وإنما ذنب المجتمع المحيط به الذي علمه منطق القوة وأن الذي يضرب ويشتم ويسخر يحظى باحترام أكبر بكثير من التعاطف الذي تحظى به الضحية.
ضحايا التنمر
يختار المتنمر ضحية غير قادرة على الدفاع عن نفسها وغير قادرة على الانتقام!
من وجهة نظرنا فإن المتنمرين هم ضحايا الثقافة السائدة، والذين يتعرضون للتنمر هم ضحايا تلك الثقافة وضحايا المتنمرين، وإذا دققنا في أسباب التنمر نرى أن ضحايا التنمر بالدرجة الأولى هم الأشخاص غير القادرين على رد الإساءة لسبب أو لآخر، أو من يعانون من فروقات فردية تؤثر سلباً على صورتهم الاجتماعية وتجعلهم محطاً للسخرية والتنمر من قبل أقرانهم.
فالزوجة ضحية محتملة للتنمر الزوجي غالباً، لأنها أقل سلطة من الزوج وأضعف بدنياً في أغلب الأحيان، كما أن موقفها الاجتماعي أضعف بكثير من موقف الزوج.
والطالب ضعيف البنية أو الخجول أو الطالب المتفوق الذي لا يعرف كيف يدافع عن نفسه سيكون ضحية للتنمر المدرسي، وسيجد عدداً كبيراً من الطلاب الذي يرغبون بالسخرية منه أو الاعتداء عليه، مقابل عدد أقل من المتعاطفين.
لا يعني أن يكون المتنمَّرُ ضعيف الشخصية، فالظروف تلعب دوراً كبيراً في تقبل التنمر دون التصدي له، فالموظف الذي يخشى خسارة وظيفته قد يتقبل صراخ المدير ومن هنا تأتي ضرورة تأهيل المتنمر ذاته ليكون أكثر تقديراً واحتراماً للناس من حوله، ومساعدة من وقع عليه التنمر لتجاوز الأزمات النفسية الناتجة عن ذلك.
علينا تعليم أطفالنا القيم الإنسانية وكيفية التعامل مع الاختلافات الفردية والاجتماعية بطريقة إنسانية خالية من الاحتقار والتكبر، إضافة إلى تعليمهم تحمل مسؤولية تصرفاتهم وأساليب الدفاع عن أنفسهم بمواجهة الإساءات اللفظية والجسدية وغيرها، ذلك مع ضرورة تعليمهم السيطرة على غضبهم وحسن استعمال الآليات الدفاعية ضمن إطار الدفاع عن النفس وردة الفعل.
ولاننسى أن المتنمر ضحية نفسه وضحية المجتمع وثقافته لذلك علينا إيجاد آليات فعالة لحماية ضحايا التنمر وإعادة تأهيل المتنمرين ليكونوا أكثر تعاطفاً وليجدوا طرقاً لإثبات الذات لأن علاج التنمر مسؤولية اجتماعية تقع على عاتق الجميع للوصول إلى مجتمع صحي وسليم من مرض يؤثر في زواياه كافة وآثاره السلبية تستمر لوقت طويل.

خلود حكمت شحادة
التاريخ: الأربعاء 22-5-2019
الرقم: 16983

 

 

آخر الأخبار
كيف يواجه المواطن في حلب غلاء المعيشة؟ إزالة أنقاض في حي جوبر بدمشق ريف دمشق: تأهيل ٩ مراكز صحية.. وتزويد ثلاثة بالطاقة الشمسية جامعة دمشق تتقدم ٢٤٠ مرتبة في التصنيف العالمي إطلاق القاعدة الوطنية الموحدة لسجلات العاملين في الدولة ما هي أبرز قراراته المثيرة للجدل؟ شعبية ترامب تتراجع بعد مئة يوم على توليه منصبه  الأمم المتحدة تدعو لرفع العقوبات والاستثمار في سوريا الأوروبي" يواجه تحديات خارجية وداخلية.. فهل يتجاوزها ويصل إلى الحالة "التكاملية"؟ إعلام غربي يدعو للاستفادة من المتغيرات الدولية لتحقيق الاستقرار في المنطقة The Media line: لقاء الرئيسين الشرع وعباس لحظة نادرة من التفاعل السوري الفلسطيني  The NewArab:  محادثات الشيباني وميلز ركزت على فرص تحسين العلاقات بين دمشق وإدارة ترامب مصر والسعودية تؤكدان ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا  حملة "شفاء".. عمليات جراحية نوعية في اللاذقية المصالح العقارية تضاهي "المركزي" بأهميتها..  خبير عقاري لـ"الثورة": الملكيات مُصانة ولا يمكن تهر... غلوبال تايمز: واشنطن بالغت في إبعاد الصين عن التجارة العالمية مظاهرات احتجاجية في تركيا وباكستان واندونيسيا..  عشرات الشهداء بمجازر جديدة للاحتلال في غزة الأمم المتحدة تدعو "الحوثيين" للإفراج الفوري عن جميع موظفيها المحتجزين تعسفياً  خارطة الخيارات الاستثمارية الحالية رهينة الملاذات الآمنة 70 بالمئة من طاقة المصانع معطّلة... والحل بإحياء الإنتاج المحلي  استفزاز إسرائيلي جديد.. زامير يتجول بمناطق محتلة في سوريا