معرض الفنانة التشكيلية والأديبة فاطمة إسبر في المركز الثقافي بـ (أبو رمانة), الذي أقامته تحت عنوان (فضاءات لونية) تضمن مختارات من لوحاتها الأحدث، وهو يشكل الخطوة الثالثة في سلسلة معارضها الفردية، إلى جانب مشاركاتها في بعض المعارض الجماعية الرسمية والخاصة.
حداثة تقنية
إنها أعمال لإثارة الأسئلة، لان اللوحة لديها هي مشروع ثقافي قبل أي شيء اخر، فالوجه أو الطبيعة أوالزهور وغيرها، والتي تشير إلى وجودها في حالات التلوين والتكوين، ولا تتخلى عن دلالاتها، حتى في أقصى حالات التجريد, تبعدنا مسافات عن الإشارات الواقعية المباشرة، وتدخلنا في جوهر الحالة الرمزية والتعبيرية، كل ذلك في خطوات استعادة تخيلات الصورة المختزلة على جدران الأزمنة المنسية, إنها رموز وإشارات معبرة عن جدلية العلاقة الشعورية واللاشعورية مع الأزمنة الميثولوجية والمعاصرة.
ففي أعمالها لا تعتمد على الشكل الطبيعي, بل تستبدله, بالأثر النفسي الذي يظهر على سطح اللوحة، كذلك نجد هذه المشاعر والحداثة التقنية في تضاريس السطح, الذي يشبه الجدار القديم، وهذا يمنح اللوحة بعداً زمنياً, رغم تفاوت المعالجة بين التسميك والتشفيف وبدرجات مختلفة. وهذه الإشارات المجسدة في اللوحة تمثل العودة من الفطرية الأولى، وإلى الجدار الطيني، وما عليه من إشارات ورموز وأسلبة شكلية وتعابير طفولية.
وهي على هذا الأساس ترتبط بإيقاعات تشكيلية قديمة وحديثة في آن تذهب إلى مثل هذا التبسيط والتجريد والحرية، فتحول مساحة اللوحة إلى فسحة للتشكيل الحر، فتجسد أحيانا الأشكال الإنسانية والوجوه وأشكال الطبيعة والزهور وغيرها، مهتمة باستقلاليتها وبما يجري داخل مساحاتها من إضاءات تدخلنا إلى أغوارها ولا تتوقف فقط عند قشرتها الخارجية.
بين الفن والأدب
لا نستطيع أن نحصر معرض فاطمة إسبر بتوجه فني محدد كأن نقول مثلا: إنها تعبيرية أو رمزية أو تجريدية..الخ ذلك لأنها رغم ما تحمله للتعبيرية الإنسانية من تأثير في لوحاتها، فهي تقدم نفسها ضمن دائرة واسعة من الإختبار والتجريب تجعلها غير محصورة بتعبير محدد، وغير مختصرة بسمة مدرسية ضيقة، ولاسيما أن المساحات القريبة من الهندسة اللونية (شبه مستطيلات وشبه دوائر وشبه أقواس..) تحضرفي بعض اللوحات وتغيب في بعضها الآخر، فاللوحة بالنسبة إليها يمكن أن تأتي بمعالجات وتقنيات وحساسيات مختلفة, وان حافظت على الروح التعبيرية الواحدة.
إن حضور الأشكال في لوحاتها، ليس حضوراً مادياً بقدر ما هو حضور روحي معنوي، وبقدر ما هو في الأساس مدخل للسرد الأدبي المعبر عن الفكرة الأدبية تشكيلياً وبصرياً، كونها تعمل في الأدب واللون معاً، وفي مجمل لوحاتها يغيب الشكل الواقعي في ذلك الأداء التشكيلي القريب من الأشكال البدائية، التي تركها الإنسان على جدران الكهوف، بحيث نجد الشكل قد ابتعد عن هيئته الواقعية ودخل في رمزيته الخاصة، وهكذا تتحول اللوحة إلى فسحة تأمل زاخرة بالإشارات والرموز الفنية والأدبية والشعرية والتعابير الذاتية والوجدانية.
ما هو لافت في المعرض أيضا تلك الإيقاعات اللونية التي تهدأ مرة وتعنف مرة أخرى، فالمساحة تشف أحيانا، وتبرز أحيانا بصياغة عفوية تبرز في حركات الخطوط التلقائية التي تحدد اشارات الوجه (وخاصة المرأة) كونها في الأساس مهتمة بقضية المرأة ومعاناتها, وتساهم في دفعها خطوات إلى الأمام, على طريق الانعتاق، لاستعادة مجدها المكرس في تاريخنا وحضارتنا.
وفي لوحاتها (قياسات كبيرة ومتوسطة – مواد مختلفة على كانفاس) نلحظ في لونيتها انزياحاً دائماً عن ذلك النمط الواقعي، لإظهار اللغة البصرية الحديثة، التي تحقق عناصر الصدمة البصرية، وخاصة لمن لا يمتلك ثقافة ومعرفة بجماليات اللوحة الفنية الحديثة والمعاصرة.
أديب مخزوم
facebook.com adib.makhzoum
التاريخ: الخميس 24-5-2019
رقم العدد : 16984