من معاني ملكة الزهور» الزنبق» تنطلق في كلماتها لتغوص في حنايا المجتمع والروح والحب، وكما للزنبق سحره عندما تعانق رائحته المنعشة ألوانه الزاهية، تمنحنا الشاعرة ريما خضر عبر مجموعتها الشعرية الجديدة معنى أن يكون للحياة لون آخر بحسها الأنثوي وكلماتها التي تنساب عبر قواعد شعر التفعيلة أو العمودية.
ولأنها ابنة حمص الوفية تبدأ بتحية تبثها حبها وقداستها لتلك المدينة التي عرفت بوداعة شعبها وتألق مبدعيها وتاريخها الذي يسجل في سفره أروع الانتصارات وأعظمها فتقول:
في حمص، لاتحتاج أن تلقي قصائدك التي، مرت على كل الدروب الطافحة بالحزن، بالآلام، أبناء حمص، بفطرة شعراء
في حمص لايترك المجاز ضوءا ينأى، عن عتمة السؤال إلا ويمضي باحثا في العمق عن جواب
في صحن جامعها كما في باحة كنيستها، جرس يدق في قلب الهلال، وهلال يحتضن الجرس
ابنة سورية التي نبتت في مدينة حمص تعي تماما مهمتها كشاعرة في تسليطها الضوء على قضايا مجتمعها بأسلوب يجمع بين المفردة الواضحة الواثقة وبين الموسيقا العروضية المتناغمة، تغلفهما بحس أنثوي عال مايشي بقدرتها على تطويع المفردة لعناوينها التي تسعى أن تكون مستمدة من بيئتها ومحيطها وبما يلامس هموم أبناء جلدتها لتكون رسولهم في التعبير عن معاناتهم تارة ولواعج قلوبهم تارة أخرى، لتحط أخيرا على شط الحب:
هل جف بئرك أم طفح، عذب فراتك، لاعكر، فإذا شفاه الحب بالحب تلاقت، ألف شط يتشكل، للهوى
جسر يعلق بين هذي الروح، والروح، ويسري، فوقه ماقد أراد الله في الغيب، قلبي وقلبك ظامئان
يترقبان الغيث في كل اتجاه.
ويبقى للشام سطوتها ومكانتها لتكون عنوانا لواحدة من قصائدها العمودية، تبثها شوقها وتقول فيها للعالم جميعه أن الحقد والحرب والهمجية والدمار لن ينالوا من عزتها وكبريائها وهي الأبية العصية على الهزيمة:
هذي دمشق وضوء الحق يعرفها تزدان بالفجر في نصر يتوجها
إن قيل شعر فمن أنفاسها عبق أو كان فخر فذا مجد يخلدها
وتتوجه الشاعرة ريما خضر في مجموعتها الشعرية السادسة والصادرة عن دار الينابيع إلى الوطن الساكن بين ضلوعها وإلى المرأة التي استطاعت أن تسجل أنموذجا خالدا لمعنى التضحية والصمود، وحاكت القلب وأشواقه بأسلوب شائق وربما تتكىء في بعض قصائدها على التراث واستحضار بعض رموزه» ديك الجن، لوركا ..» ولكن رغم ذلك تقول:
لولا غواية زنبقة
بسطت يدي
في وهج هذا الحب
ماكنت أغدو كالتجلي في مهاد الضوء
ماكان هذا الماء في وجهي، حقا هو الماء، أو كان يندى لي، جبين الشمس
ورغم الحزن والألم الذي أصاب مدينتها حمص تحاول أن تخرج من عباءته لتنثر عبق الزنبق في أرجاء المدينة لتمحو به آثار الدمار ورائحة البارود، ففي عناوين بعض قصائدها» لحن الدمار، قصاصات الحلم، صهيل المدينة، على مرمى حزن، في قلب النار» تحاول أن تبتعد عن المباشرة في وصف آثار الحرب وماخلفته في النفوس من حزن، لترسم عالما يعيد ترميم نفسه وينهض من تحت الركام ليمتشق الحياة من جديد، تنعشه رائحة الزنبق الفواحة بعبق الحياة، تقول:
لم يكن في نيتي أن أحزن
ولاكان في قلبي مكان للشجن، محض حنين
ربما .. واندثر
وريما خضر صوت أنثوي لافت، تمتطي قوافيها لتعلن أن إعصار الحب لن يهدأ، ولحن الدمار لن يهزمنا، ومراكبنا ترسو على شط الحب، ولن نغني نشيد الموت، بل على دروب العشق ستكون خطانا إلى علياء المجد والنصر الأكيد.
دائرة الثقافة
التاريخ: الثلاثاء 4-6-2019
الرقم: 16993