في وسط المدينة بين ضجيج السيارات وزحمة المارة وغبار طرقاتها كانت عدد من النسوة يجلسن على الرصيف يبعن الخضار والفواكه وبعض المنتجات الحيوانية التي تربيها في منزلها وتحفظ مستقبل أولادها وضعته بخير وأمان بعيد عن الحاجة والتسول
نساء يعلن أولادهن ويبعن على الرصيف
كانت أم أحمد المرأة الخمسينية تجلس على الرصيف منذ سنين تعرف أن هذا الرصيف هو مصدر رزق لها ولعائلتها حيث ساعدها كي تتابع مسيرة حياتها بإعالة أسرتها وتدريس أولادها كما تريد. وهي تعرف أن الحياة بلا دراسة كالغرفة المظلمة لا ترى فيها شيئا لذلك عمدت أم أحمد كل يوم ومنذ ساعات الفجر الأولى الذهاب إلى أرضها الصغيرة المجاورة لبيتها في إحدى قرى ريف دمشق لجمع وقطف الخبيزة والرشاد والعكوب وحمله إلى رصيف المدينة عبر السرافيس لبيعه وشراء ما تحتاجه العائلة من الأغراض، لكنها لم تكتف بذلك فقط بل عمدت إلى تربية الدجاج في منزلها الريفي وجمع بيضه البلدي حتى تبيعه للمارة على الرصيف فيكون عونا لها في المصروف أيضا.
الأرض مصدر رزقي
أما منيرة أحمد وهي أيضا من أبناء الريف الدمشقي فتقول أنا بلا أرض وزراعة لا أستطيع المعيشة فكان بجانب دارنا أرض صغيرة أزرعها بالبقدونس والنعنع وعند صباح كل يوم أقطفها وآتي بها إلى السوق وأبيعها كلها إلى أن جاءنا الإرهاب وأخذ يدنس أرض بلادنا، ويحرق بيوتنا وأراضينا الخضراء وكم كنت حريصة على سقايتها ورعايتها والاهتمام بها وجنيها وبيعها في سوق «النسوان»، لكي تعيلني أنا وأولادي بعد وفاة زوجي. إذ لم يبق لي معين إلا أنني لم أستسلم فتعاونت مع بعض النسوة التي تبيع على الرصيف وبدأت أساعدهن في البيع وأحيانا أشتري منهن بعض المزروعات وأضع لنفسي بعض الربح، المهم ألا أمد يدي للناس وأربي أولادي من الرزق الحلال لكي يبارك الله لي بهم في الأيام القادمة.
بجوارها على الرصيف كانت أم أمجد بملابسها الريفية تحمل الحليب والبيض البلدي من بيتها الريفي إلى سوق النسوة وسط المدينة بقلب الازدحام ووسط المارة وغبار السيارات كي تبيعها و تحصل على مردود مادي كي تعيل أسرتها ،تقول هذع السيدة أجلس في هذا الحيز من الرصيف ساعات عدة حتى ينفق ما لدي من بيض وحليب وبعض الاحيان بقدونس ونعنع فأرضنا خصبة وأرويها بمياه نظيفة فكل من اشترى مني مرة يعود ويسالني مرة اخرى ,وهذا بالطبع ساعدني بتربية أولادي ومنعهم من التشرد ومد يدهم الى الغير
فالحياة صعبة وبحاجة الى أن يكون الفرد منا ولو بإمكاناته البسيطة قادرا على مواكبتها وإلا فالأسرة ستتفكك ويضيع الأولاد
تقهرني مطاردة البلدية
بوسط تلك النسوة امرأة ستينية ينادونها بأم يوشع وهي من تفتتح السوق بخضراواتها وتقول استيقظ منذ الرابعة والنصف وأجمع انا وابنتي ما جنيناه من ليلة أمس أضعهم بالصرر وأذهب بهم الى السوق ولكي لا تكون جلستنا فيها من الحزن والأسى جميعنا أنشر الضحكات والمزحات بين هؤلاء النسوة لأننا قد نتأخر ببيع ما جلبناه من أراضينا ونجد بجلستنا على الرصيف كل شيء طبيعي إلا عندما تمر سيارة البلدية وتأخذ منا كل خضرتنا ورزقنا الذي بسببه نجلس على الرصيف لنبيعه منتظرين في البرد والحر، كي نحصل على نقود تعيننا على مرارة الحياة. وتضيف أم يوشع بأن هذه قد حصلت معها مرات عدة وتعود الى بيتها مكسورة الخاطر تنظر الى أولادها بحزن وأسى وذلك عندما تكون هناك حملات للأرصفة في مدينة دمشق وتنسى البلدية أنها عندما تأخذ منا الخضار فإنها تأخذ قوت أسرنا وتبقي ابناءنا بلا طعام وربما بلا كساء حسب تعبيرها .
أخيرا نجد هذه النسوة ببساطة حياتها و حاجتها للمال ودأبها قد وجدت مكانا تبيع فيه خضرتها و كما يبدو الرقم الذي تمثله بضاعة هؤلاء النسوة لقليل جدا لكنه يعني لهم الكثير وبالمقدمة الأمل وحفظ ماء الوجه وعدم مد أيديهم للآخرين،لذلك وخاصة في هذه الأيام التي نجد فيها الغلاء الفاحش والأسعار المرتفعة لكافة المواد .
ونجد المواطن من أصحاب الدخل المحدود محتارا كيف سيسد رمق أسرته ويمنعها من الحاجة للآخرين بالمقابل نجد نسوة تحفر الصخور بيديها كي تعيش أسرتها بكل كرامة وعزة لذلك لابد من دعوة للمعنيين وأصحاب الجمعيات والفعاليات من النظر برأفة ورحمة وإكبار لنسوة يربين أولادهن من عرق جبينهن ألا تطاردهم البلدية وتدفع بهم الى التسول ومد يدهم للآخرين .
ميساء العجي
التاريخ: الخميس 6-6-2019
الرقم: 16995