مُحاولة قلب الحقائق، تَزوير الواقع، سياسةٌ أميركية رسمية مُعتمدة في واشنطن، أمس، اليوم، وغداً. لم يَتغير النهج بل بدا نهجاً ثابتاً رغم تَغير الإدارات وتداول السلطة بين الديمقراطيين والجمهوريين، ما يَعني أن الدولة العميقة هي التي تَحكم، تَرسم السياسات، تُوجه مساراتها، وتَفرض أولوياتها واتجاهاتها، ودائماً على قاعدة التزوير والتحريف للواقع وحقائقه.
أقوى تجسيد لهذه السياسة، أقبح تجلياتها، وأكثرها وضوحاً ووقاحة، يمكن تَلمّسها والقبض عليها في سياسات واشنطن العدوانية تجاه سورية وإيران خصوصاً، وتجاه العديد من الدول التي تتوزع على قوس واسع بالموقف الذي يتراوح بين مواجهة السياسات الأميركية، وبين مُناهضتها، وبين عدم الموافقة عليها.
لنكون أقرب إلى الواقع في تفنيد وفضح البلطجة كسياسة أميركية رسمية تعتمد التزوير والتحريف وقلب الحقائق، لا بد من المرور على أمثلة، هي كثيرة، تُوفرها واشنطن، وتُضيف المزيد منها كل يوم. كل صباح تُطالع العالم بوقاحة تتفوق على سابقتها بالتعاطي مع الحدث ذاته أو مع أحداث جديدة!.
آخر بيان تقدمت به بلجيكا، الكويت، وألمانيا إلى مجلس الأمن الدولي بإيحاء وتكليف أميركي، وتحت إشراف واشنطن، لم تكن غايته تقتصر على إشغال مجلس الأمن بأمر لا علاقة له بالواقع الذي يتحدث عنه ويُزوره، وليس فقط بإقحامه بما يتناقض مع مهمته وصلاحياته، بل من بين غاياته القذرة قلب الحقيقة استخفافاً بعقول مُمثلي الدول الأعضاء!.
البيانُ الذي تم إجهاضه من قبل روسيا والصين ينطوي على فعل حقير قذر مُتعمد، إذ لا يكتفي بتزوير الحقيقة بمهاجمته قيام الجيش العربي السوري بالتعاون مع الحليف الروسي والقوات الرديفة بمحاربة الإرهاب في إدلب، وإنما يَتجاهل الواقع من أنّ إرهاباً وَهابياً قاعدياً يُقيم في المحافظة ويَرتكب الفظائع بحق المدنيين، وينبغي اجتثاثه!.
الحالة الأخرى، الصارخة، هي مع إيران وتتجسد بما تُحاول واشنطن تزويره من بعد انقلابها على اتفاق أُنجز وجرى إقراره في مجلس الأمن الدولي يتعلق بالطاقة النووية والاستخدامات السلمية لبرنامج طهران الذي أقرت المنظمة الدولية ذات الاختصاص 14 مرة بسلميته وبالتزام الجانب الإيراني معاييرها الفنية والتقنية، وبعدم صلته بأي برامج تؤدي لتصنيع السلاح الذري!.
إنّ صعود الولايات المتحدة سقوفاً مُرتفعة بالتهديد المُؤسس على التزوير المُمنهج لواقع تُقر بخلافه التقارير الدولية أدى إلى ما أدى إليه مُؤخراً من تصعيد لامسَ احتمالات التفجير والمواجهة، غير أن المُجريات اللاحقة وما استتبع من رسائل جرى تبادلها أكدت بما لا يقبل الشك أن ما قامت به واشنطن كان حماقة كبرى قد لا تنفع معها اليوم مُحاولة التراجع والنزول عن تلك السقوف بمُحاولة تسخير اليابان وسويسرا للقيام بدور الوساطة!.
التزوير الأميركي الحاصل في كثير من الوقائع، وبالعديد من الملفات الدولية التي لا ينقصها التعقيد أصلاً، هو سلوك آثم، غير مَقبول ولا يجوز للعالم أن يَسكت عليه ولا أن يُمرره، بل ينبغي التعاطي معه بجدية ومسؤولية لأنه ينطوي على مَخاطر حقيقية تَمس أمن واستقرار العالم وليس المنطقة فحسب، ولذلك فمن وجوب الواجب أن يُرغم العالم أميركا على تَعديل وتغيير سلوكها، وعلى أن يُلزمها بالتصرف كدولة طبيعية ليتم تَقبلها، وإلا فإنها ستجد ذاتها في العزلة الدولية العميقة التي قد تُهدد مصالحها!.
علي نصر الله
التاريخ: الخميس 6-6-2019
الرقم: 16995