حافظ المشهد الميداني في الشمال ـعلى زخمه، ولاسيما في ريف حماة ومحيط إدلب، في ظل تواتر المعلومات عن تحشيد وتوحيد المجموعات الإرهابية تحت الراية التركية كجزء من محاولات منظومة الإرهاب بشكل عام والنظام التركي بشكل خاص للعبث بالخارطة الميدانية، بما يحاكي الأهداف والطموحات الأميركية والتركية على الأرض.
ورغم الدعم التركي اللامحدود للمجموعات الإرهابية التي توحدت في غرفة عمليات حملت اسم (غرفة عمليات الفتح المبين) في مسعى محدود التأثير والفاعلية لعرقلة تقدم الجيش العربي السوري نحو الأهداف الموضوعة أمامه، إلا أنه واصل بثبات وثقة مطلقة اختراق وشق صفوف ومناطق سيطرة الإرهابيين موسعاً مساحات السيطرة، كما ضيق الخناق على المجاميع الإرهابية التي وصلت إلى مرحلة صعبة من الانهيار في المعنويات بعد أن تشتت قواها و فقدت السيطرة على الأرض، وباتت تستميت في القتال لا من أجل تحقيق مكسب مادي على الأرض بل من أجل الانتحار كونه بات خيارها الوحيد في ظل انسداد الآفاق أمامها.
الواقع الميداني وبالرغم من تعقيداته المتشابكة والمتشعبة التي تراكمها استعصاءات السياسة المفتوحة على كل الخيارات والاحتمالات، يبدو مرشحاً لإحداث فجوة في المشهد وهذا لا يمنع أبداً من حدوث تطورات جديدة على الأرض، في ظل السيطرة الكاملة للجيش العربي السوري على الأرض، كأن تستميت المجموعات الإرهابية في سبيل إحداث خرق على جبهات القتال، وقد أطلق الإرهابيون خلال الساعات القليلة الماضية التي سبقت الاتفاق الجديد صواريخ حقدهم على البلدات والقرى الآمنة وعلى مواقع الجيش العربي السوري الذي رد على أماكن تواجدهم في الزكاة والأربعين وحصرايا والجبين و كفرزيتا واللطامنة ومورك، بريف حماة الشمالي، إلى جانب معرّة النعمان وحيش بريف إدلب، وتمكّن من إسقاط إحدى طائراتهم المسيّرة التي كانت تحاول استهداف وحداته في محيط تل ملح، شمال محردة.
العامل الإسرائيلي كان حاضراً على جبهات القتال بهدف الدعم المعنوي واللوجيستي وبطلب من الولايات المتحدة والنظام التركي، وتجسد ذلك باعتداءات جديدة على الأرض كان آخرها ما قام به كيان الاحتلال الصهيوني من عدوان على تل الحارة الاستراتيجي في المنطقة الجنوبية حيث تصدت دفاعاتنا الجوية للعدوان وأسقطت عدداً من صواريخه المعتدية.
الواقع النفسي والميداني الصعب للمجموعات الإرهابية أكدته المعلومات التي تناقلتها بعض المجموعات الإرهابية والتي تفيد بأن الجانب التركي بذل جهوداً كبيرة لوقف تقدم الجيش العربي السوري وذلك من خلال محادثات متواصلة مع الجانب الروسي من أجل التهدئة، حيث كان الرد الروسي واضحاً في هذا الإطار إذ جدّد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، تأكيده ضرورة (القضاء على التنظيمات الإرهابية) في إدلب، وطالب النظام التركي بالمضي قدماً في تنفيذ التزاماتها بموجب (اتفاق سوتشي).
وقال لافروف إن اتفاق سوتشي لا يحمي إرهابيي جبهة النصرة، وأنه سيتم حسم الوضع في إدلب من دون تقديم أي تنازلات، وأضاف لافروف أنه يتوجب على تركيا القيام بدورها الرئيسي المتعلق باتفاق (سوتشي) مشيراً إلى أن الوقت ينفد، وهؤلاء الإرهابيون ينفذون هجمات استفزازية باستمرار، ويهاجمون ويستهدفون عبر منظومات الصواريخ والطائرات من دون طيار مواقع الجيش العربي السوري، والمناطق السكنية، وقاعدة حمميم.
يأتي هذا في وقت تكشّف فيه حجم الدور التركي الكبير في دعم وتمويل وحماية المجموعات الإرهابية، حيث جاء في بعض التقارير أن تركيا دربت ارهابيين من الفصائل الارهابية الموالية لها للقيام بعمليات خاصة، تتعلق بالتخريب والتسلل وغيرها من الأعمال دون أن تحقق أياً من أهدافها، التي كان بعضها يهدف إلى خدمة مصالح تركية فقط.
وأكدت مصادر مطلعة أنها حصلت على وثائق عسكرية تركية سرية تُظهر أن أنقرة كثفت تدريباتها للفصائل الارهابية المسلحة، بما يشمل أعمال التخريب والتسلل وتصنيع المتفجرات وتكتيكات حرب العصابات.
وأشارت المصادر إلى أن إحدى هذه الوثائق مؤرخة في حزيران 2016، وموقعة من قبل نائب رئيس هيئة الأركان في جيش النظام التركي ياسرغولر، وتؤكد تدريب 151 إرهابياً بصورة مشتركة مع الولايات المتحدة حتى التاسع من تشرين الاول 2016، ووفقاً للتقرير، فإن أميركا قررت الانسحاب من هذه العمليات التدريبية في حين استمرت تركيا منفردة في هذا البرنامج التدريبي وقامت بتجهيزه (بصورة سرية) بشكل منفرد، حيث دربت أنقرة 312 إرهابياً ضمن البرنامج، كما تشير الوثائق المسربة إلى أن برنامج التدريب التركي ركز بشكل خاص على منطقة (بيربوكاك) في شمال غربي سورية بالقرب من الحدود.
وتظهر الوثائق أيضاً تفاصيل عملية كان من المقرر أن تنفذها تركيا والولايات المتحدة معاً عام 2015، يبلغ طولها 98 كيلومتراً وعمقها 40 كيلومتراً، حيث وافق النظام التركي آنذاك على نشر طائرات حربية أميركية على الأراضي التركية تمهيداً للعملية، وأشارت الوثائق إلى أن الأمور لم تسر كما خططت لها أنقرة بسبب تراجع أميركا عن تنفيذ هذه العملية وتوجهها إلى دعم مرتزقة قسد شرقي سورية، وقال نائب رئيس هيئة الأركان في جيش النظام التركي غولر حينها إن الفصائل الارهابية فشلت في تحقيق إنجاز يذكر في المنطقة الحدودية، رغم الدعم المدفعي والتدريب التركيين أثناء خوض معارك في المنطقة ضد الجيش العربي السوري، موصياً بمزيد من التدريب للفصائل الارهابية واختيار إرهابيين من السكان المحليين وتأمين مزيد من الغطاء الجوي الأميركي.
فؤاد الوادي
التاريخ: الجمعة 14-6-2019
رقم العدد : 17000