النقد الأدبي..موضــــــة عصــــــره.. أم إنهــــــــا الثقافــــــة..؟

لم يكن يصدر كتاب أدبي الا مرفقا بدراسة نقدية أو دراسة نقدية منفصلة لكل قصيدة أو قصة. الأمر الذي يسهم بناحيتين:
الأولى: تشريح العمل الأدبي بسلبياته وايجابياته وانفتاح العقل على التفكير النقدي في وقت كانت فيه الثقافة منبرا, والثاني: اشهار العمل إعلاميا حيث يتم استعراض الآراء ومناقشتها تحت دائرة الضوء ما يسهم في انتشار الكتاب.
اليوم تتهم الصحافة اليومية غير المتخصصة على انها شوهت النقد الأدبي وذلك باستخدامها الإطراء على الكتاب وعلى إنتاجات الشعر والقص والفن بشكل عام ويمكن ان يكون هذا صحيحا اذا اعتبرنا انه لم يعد يوجد نقاد أكاديميون ولم يعد يوجد ثقافة تستحق النقد وتستحق ان يخسر الصحفي علاقاته الاجتماعية من أجل أن ينتقد نصا لكاتب أهدى اليه كتابه، فإما ان ينتقده فيخسره واما أن يتجاوزه فلا ينشر له شيئا يضر ولاينفع..
كثير من النقاد العرب كانوا يستخدمون مصطلحات غربية غير مفهومة ويقيمون الكتاب تقييما مترجما بلغة «غوغل ترانسليت» دون ربط حقيقي بين مايكتبه الكاتب وبين مايتم توجيه النقد اليه من حيث اللغة والأسلوب «الحوار السرد, الوصف» لذلك كان قراء النقد يبتعدون عن كتاب النقد الذين يفصلون نظريات النقد الأدبي الأوربي على مقاس الكتاب فان تناسبت النظرية النقدية الغربية مع انتاج الكاتب كان هذا جيدا والا فان الكتاب لايخضع لمقاييس الجودة.
أن تقول ان هذا النص سيئ فهذا يقاضي عليه القانون والعرف الاجتماعي فأنت كناقد ستنسحب تدريجيا من دائرة العلاقات الاجتماعية وسينبذك أصدقاؤك من الكتاب والشعراء لأنك قمت بدراسة نقدية «نشرت فيه عرض الكاتب وليس عرض النص» علما ان الناقد يقوم بقراءة النص يأخذ دلالته ويدخل في نسيجه النفسي والفكري ولا ينتقد بناء على العلاقات الشخصية التي تربط الكاتب بالناقد ولا ينتقد بناء على مزاجية معينه او على ذوقه الخاص والشخصي علما ان التذوق يدخل في اطار تقبل واعجاب المجتمع بالكتاب ام لا لكن الناقد مطالب بالابتعاد عن ذوقه الخاص والالتزام بمعايير النقد.
اليوم تطلق عشرات الجوائز الأدبية وتفوز روايات لاتلقى صداها الا عند تسليم الجوائز وكثير منها تقبل بشروط أصحاب الجائزة ولاتترك هامش الحرية الذي يتمتع به الكاتب عن سواه لذلك كيف يمكن أن تؤسس حركة نقدية على أساس ثقافة مقاسة بالبنسات؟
اضافة الى تردي الحركة النقدية فان الأسماء الكبيرة لاينالها النقد خاصة بعد انتشار بعض اعمالهم عالميا على سبيل المثال: في احدى قصائد الشاعر الكبير محمود درويش قصيدة كتبت بإشارات الترقيم تحتوي على بضع كلمات لكنه الشاعر محمود درويش ولا يتم تناول قصيدته الا بكثير من المديح والاطراء حتى لو كتب ماشاء من النقاط والحروف.
مثال آخر: بعد ان نال الروائي الكبير نجيب محفوظ جائزة نوبل انهالت مقالات ودراسات النقاد بالحب للروائي علما ان بعض النقاد لم تظهر انتقاداتهم له قبل نيله الجائزة وحفاظه على لغة حوار وعلى نمط تفكير واحد للشخصيات، فالبسطاء دائما في رواياته متفكرون ينطقون بالفلسفة والحكمة ويقول بعض النقاد ان محفوظ حافظ على هذه اللغة عبر تاريخ وجغرافيا الروايات بشكل عام دون تنوع وانتقال للشخصيات الروائية.
يمكن ان نتحدث بسهولة عن عدم وجود حركة نقدية عربية او محلية لكننا نتحدث عنها بكثير من الألم لوجود دلالات خطيرة على عدم وجود ذلك: وهي عدم وجود حركة ثقافية ابداعية لاتتجلى فقط في اصدار الكتب والترجمات بل تتعداها الى الفنون الأخرى, فأين هو الشعر الذي قيل عنه: انه سجل لأفضل اللحظات وأسعدها التي تنعم بها أسعد العقول وافضلها؟ وأين هو النص الجيد المكتشف بالحدس المباشر قبل التحليل؟ وأين هو الرضى والقبول من قبل المجتمع لعمل أدبي؟ ولابد من القول: ان حركة النقد توازيها حركة لابد ان تبدأ وتتجرأ لقول الحقيقة في عالم الثقافة الذي بدأ يأخذ سمته من الواقع العام المتردي اقتصاديا.
وأستعرض بعض الآراء لنقاد عرب يطلبون من خلالها سمات معينة لنقاد قد يتواجدون على الساحة العربية ان أعيدت الثقافة الى نصابها: يقول الدكتور محمد بدوي استاذ الادب العربي بآداب القاهرة: اتصور ان الناقد لابد ان يكون قد تربى في نفس السياق الثقافي الابداعي, بمعنى ان تكون لديه خبرة هائلة بالنصوص, وتربية جمالية يتم تعميقها بجدل النص مع المقولات النظرية, مضيفا: أن يكون متمتعا بما اسميه (الحساسية النصية) وهذا ما يميز الناقد عن استاذ الجامعة. ولابد ان يكون لدى الناقد وعي كامل بالنظرية الادبية ومساراتها الدقيقة في تراثه القومي والتراث العالمي. ولابد ان يكون واعيا بالعلاقات المعقدة بين ذاته بوصفه قارئا وموضوعه اي النص بوصفه مقروءا.
وفي هذا السياق أرى ان الجامعة لاتنتج نقادا بل تنتج اساتذة جامعيين قد يمتلكون المعرفة الكافية بتاريخ الادب ونظرياته والقدرة على قراءة النصوص واعادة صياغة أولويات المشهد الثقافي وترتيبه واعداده لبزوغ الجديد. واذا تصادف وجود نقاد بارزين خرجوا من الجامعة مثل محمد مندور ولويس عوض وعز الدين اسماعيل وجابر عصفور فان هؤلاء كانوا سيصبحون نقادا سواء تخرجوا من الجامعة او من غيرها.
يرى الدكتور بدوي ان البحث عن نظرية عربية للنقد الادبي من عدمه مغالطة كبرى لأن النقد الادبي يحاول ان يصبح أقرب الى الانضباط العلمي, ويقول: عندما يصل النقد الادبي الى هذا الانضباط يصبح لا وطن له, فعلم الادب وكافة الحقول المعرفية المهتمة بالادب الآن ذات نتائج تقترب من العلم الصرف, لكن يمكن الحديث عن تقاليد علمية وفكرية في نقد الادب تكون ناتجة عن خصوصية الظاهرة العربية, اما القول بوجود نظرية عربية, او كيفية تعامل الناقد العربي مع النظريات والمناهج النقدية الغربية, تشبه القول بوجود نظرية للاقتصاد العربي والمحاسبة العربية, وعلى هذا أرى ان الناقد العربي لا يمكن ان ينغلق على نفسه فلابد له من الاستفادة من نتائج وبحوث علماء الادب في العالم كله وفي هذه الحالة لن تكتمل له صفة العربية الا في حالة التعامل مع نصوص عربية أي عليه ان يكيف ما يتعلمه من الآخرين مع خصوصية النصوص ومعطيات الثقافة العربية الواسعة الممتدة في الزمان.
ويقول الدكتور وليد منير مدرس الادب العربي: الناقد المبدع هو الاكثر فاعلية دائما في التعامل مع الظاهرة الادبية. انه يمارس القول النقدي بوصفه ابداعا وفلسفة, وقد قال (بارت) يوما: ان الناقد الحديث حل محل الفيلسوف في العصور القديمة, فالنقد التحم بالرؤية الفلسفية حقا واستعار خطاب الفلاسفة, واذا كان الفيلسوف مازال موجودا على حدة فان الناقد فيلسوف من نوع خاص واقصد من نوع تأملي يستعين بأدوات متعددة للكشف عن روح الكلام.
واخيرا لابد ان نستعين بمقولة الزمن للبناء وليس للهو والنقد بناء وليس هدما…!

أيدا المولي
التاريخ: الثلاثاء 18-6-2019
الرقم: 17003

آخر الأخبار
New York Times: إيران هُزمت في سوريا "الجزيرة": نظام الأسد الفاسد.. استخدم إنتاج الكبتاجون لجمع الأموال Anti war: سوريا بحاجة للقمح والوقود.. والعقوبات عائق The national interest: بعد سقوط الأسد.. إعادة نظر بالعقوبات على سوريا بلدية "ضاحية 8 آذار" تستمع لمطالب المواطنين "صحافة بلا قيود".. ندوة لإعداد صحفي المستقبل "الغارديان": بعد رحيل الديكتاتور.. السوريون المنفيون يأملون بمستقبل واعد باحث اقتصادي لـ"الثورة": إلغاء الجمرك ينشط حركة التجارة مساعدات إغاثية لأهالي دمشق من الهلال التركي.. السفير كوراوغلو: سندعم جارتنا سوريا خطوات في "العربية لصناعة الإسمنت" بحلب للعمل بكامل طاقته الإنتاجية الشرع والشيباني يستقبلان في قصر الشعب بدمشق وزير الخارجية البحريني عقاري حلب يباشر تقديم خدماته   ويشغل ١٢ صرافا آلياً في المدينة مسافرون من مطار دمشق الدولي لـ"الثورة": المعاملة جيدة والإجراءات ميسرة تحسن في الخدمات بحي الورود بدمشق.. و"النظافة" تكثف عمليات الترحيل الراضي للثورة: جاهزية فنية ولوجستية كاملة في مطار دمشق الدولي مدير أعلاف القنيطرة لـ"الثورة": دورة علفية إسعافية بمقنن مدعوم التكاتف للنهوض بالوطن.. في بيان لأبناء دير الزور بجديدة عرطوز وغرفة العمليات تثمِّن المبادرة مباركة الدكتور محمد راتب النابلسي والوفد المرافق له للقائد أحمد الشرع بمناسبة انتصار الثورة السورية معتقل محرر من سجون النظام البائد لـ"الثورة": متطوعو الهلال الأحمر في درعا قدموا لي كل الرعاية الصحية وفد من "إدارة العمليات" يلتقي وجهاء مدينة الشيخ مسكين بدرعا