دعت روسيا غيرَ مرّة، وبأكثر من مُناسبة النظام التركي إلى وجوب تنفيذ ما اتُفق عليه في سوتشي وآستنة، معلومٌ أن تركيا طرف أساسي بمسار آستنة، إلا أنّ نظام اللصوصية الأردوغانية لم يُنفذ، يَتهرب، ولا يَكتفي بالتملص بل يُقدم بوقاحة على فعل كل ما يَتناقض مع الاتفاق والتفاهمات المُعلنة!.
تدعو روسيا اليوم إلى ضبط النفس ولوجوب المُحافظة على الاتفاق النووي الإيراني، وتُحذر من تداعيات انهياره، وتُعبر عن القلق من خطط واشنطن وسلوكياتها باتجاه التصعيد وباتجاه تعزيز وجودها العسكري بالشرق الأوسط بهدف ممارسة أقصى أشكال الضغط على طهران، لكن واشنطن التي انقلبت على الاتفاق وخرجت منه أحادياً، لم تَكتف بذلك، بل ذهبت لتسخين الوضع وللتهديد والوعيد!!.
التساؤلات المَشروع طرحها بهذه الحالة هل من المنطقي أن تَغرق بالتفاصيل والجزئيات – على أهميتها – أم ينبغي أن تُركز على الأصل في القدرة السياسية من عدمها لجهة قدرة الالتزام بما اتُفق عليه، بل وأن تُركز على الدوافع التي تمنع أو تَحد من قدرة الالتزام، وبالتالي يُصبح من الطبيعي أن تتحول الأسئلة في التركيز إلى تلمس القدرات الأخرى – بالاتجاه المعاكس – أي السؤال عن قدرة الذي لا يلتزم على تَحمّل تداعيات عدم الالتزام وتَبعات نقض الاتفاق والانقلاب عليه والتَّواقح بفعل كل ما يُناقضه!.
لماذا كانت منصة آستنة، وما هدف العملية التي انطلقت منها وأنتجت مساراً، اتفاقاً وتفاهمات؟ هل وُجدت إلا لتَجد حلاً لمشكلة الإرهاب وتنظيماته التي تُهدد استقرار سورية والمنطقة؟ وبالتالي إذا كان نظام اللص أردوغان لا يمتلك قدرة الالتزام – السياسية والعملية – بمُخرجات سوتشي وآستنة، فهل يمتلك قدرة تحمل نتائج الرفض والانقلاب؟ أم يُفهم من مُمارساته أن لا طاقة له على الالتزام، وأنّ طاقة الانقلاب لديه تتفوق على تلك التي يَقتضيها الالتزام؟!.
الأمرُ ذاته ينسحب على واشنطن، ذلك أن المفاوضات الشاقة (5 + 1) مع طهران انبثقت من الحاجة لها، استمرت طويلاً، لكنها أنتجت اتفاقاً أثبتَ أن الحوار والتفاوض والمحادثات والدبلوماسية لغة مُجدية ومُنتجة. فلماذا تَنقضه الولايات المتحدة وتنقلب عليه؟ ما دوافعها؟ وبالتالي أي قُدرات شريرة تمتلك بمُقابل عدم امتلاكها قدرة الالتزام بما كانت شريكاً بإنتاجه؟ وهل لديها الطاقة لتَحمل تبعات انقلابها عليه، أم أنها تريد للعالم أن يَفهم أن لا طاقة لها على الالتزام به؟.
الاتفاقيات، مُذكرات التفاهم، المعاهدات، الدولية أو تلك الثنائية، الالتزامُ بها له طابع حقوقي قانوني بأثر اقتصادي وأمني، هذا صحيح، لكن قبل ذلك للالتزام بها طابع أخلاقي يَعكس المصداقية والمَوثوقية، ويُؤسس لعلاقات سليمة يُفترض أن تكون مُستدامة لا آنية مؤقتة نفعية وأنانية!.
صحيحٌ أن الكثير من هذه الاتفاقيات لا شروط جزائية فيها تُعاقب المُنقلب عليها، لكن ليس صحيحاً بالمُطلق أن يتسم رد فعل الأطراف الأخرى فيها بالسلبية بمَعنى التَّخلي أو التخلف عن واجب الدفاع عنها والمُحافظة عليها، حمايتها وتطبيقها، والضغط على الطرف الذي نقضها، عزله، ووضعه أمام مسؤولياته وبمُواجهة المخاطر والتحديات التي أنتجها انقلابه المرفوض.
عدمُ امتلاك قدرة الالتزام، والمُجاهرة بوقاحة النقض والتحدي بالانقلاب، لدى أردوغان ولدى ترامب، لا تَنزع فقط الثقة والمصداقية – هذا إذا كانت موجودة أصلاً – ولا تَمنع الأطراف الأخرى عن الدخول بمُحادثات جديدة لإنتاج اتفاق آخر، بل تَكشف الدوافع الحقيقية لهما وتُعري سياساتهما، وتُوجب على العالم التعاطي معهما بلغة أخرى، مُختلفة، لا تَستبعد خيار استخدام القوّة.
علي نصر الله
التاريخ: الخميس 20-6-2019
رقم العدد : 17005