الثورة – سيرين المصطفى:
عقدت وزارة الأوقاف اجتماعاً موسعاً ضمن خطة مديرية أوقاف إدلب لإعادة ترميم المساجد المتضررة والحفاظ على المعالم الدينية ذات الطابع الأثري، حيث خُصص اللقاء لبحث مشروع ترميم الجامع الأموي الكبير في معرة النعمان الذي تتبناه جمعية عطاء للإغاثة والتنمية. وترأس الاجتماع مدير أوقاف إدلب عبد الحميد الخلف، بحضور مروان سيد عيسى مسؤول العلاقات في المحافظة، وممثل عن مديرية الآثار والمتاحف، إلى جانب أحمد هاشم منسق المشاريع الاجتماعية في الجمعية، إضافة إلى ممثلين عن شركتي الأمين وأمجاد للتجارة والمقاولات، المنفذتين للمشروع. وتم خلال اللقاء استعراض المخططات الوزارية المعتمدة، ومناقشة تفاصيل خطة العمل، أعقبها جولة ميدانية إلى المسجد للاطلاع على الواقع التنفيذي وضبط مراحل الترميم بما يتناسب مع القيمة الأثرية والتاريخية للجامع.
وقد عبّر أهالي معرة النعمان عن ارتياحهم لبدء هذه الخطوة، مؤكدين أهمية صون هوية المسجد ودوره في الذاكرة الجماعية للمدينة. وفي سياق متصل، استقبل مدير الأوقاف وفداً من جمعية العمري وجمعية تسليط الضوء، جرى خلاله الاتفاق على توقيع مذكرات تفاهم لترميم أربعة مساجد مركزية، هي: المسجد الكبير في قرية الشيخ مصطفى، المسجد الكبير في قرية ترملا بريف إدلب الجنوبي، مسجد الربيع جنوب معرة النعمان، ومسجد حلبان في منطقة سنجار بريف إدلب الشرقي، بما يعزز جهود إعادة تأهيل المساجد المتضررة. من جانبه، أوضح محافظ إدلب محمد عبد الرحمن أن خطة العمل المشتركة مع مديرية الأوقاف وعدد من المنظمات الإنسانية والمتبرعين أثمرت عن ترميم 113 مسجداً بالكامل حتى الآن، فيما تتواصل أعمال الترميم في 86 مسجداً آخر، ضمن برنامج متكامل يهدف إلى إعادة تفعيل دور المساجد التي تضررت بفعل قصف النظام البائد وسرقة محتوياتها خلال السنوات الماضية. والمسجد الكبير في مدينة معرة النعمان، المعروف بالجامع الأموي، يُعدّ من أبرز المعالم الدينية والأثرية في شمال سوريا، ويحمل قيمة تاريخية ومعمارية كبيرة تعكس تعاقب الحضارات على المدينة. شُيّد المسجد في العهد الأموي على غرار الجوامع الكبرى التي انتشرت في مدن بلاد الشام بعد فتحها، مثل الجامع الأموي في دمشق والجامع الأموي في حلب، حيث مثّل مركزاً دينياً وعلمياً واجتماعياً للمدينة ومحيطها، وقد عُرف بعمارة حجرية مميزة، مع مئذنة شامخة وزخارف متأثرة بالأسلوب الإسلامي المبكر، كما ضمّ قاعة صلاة فسيحة وصحناً داخلياً تحيط به أروقة.
وخلال العصور اللاحقة، تعرّض المسجد لعدة عمليات ترميم وتوسعة، خصوصاً في العهدين الأيوبي والمملوكي، حيث كان يُستخدم أيضاً كمركز لتعليم العلوم الشرعية واللغة العربية، إضافة إلى كونه ملتقى للوجهاء والعلماء.
ويُذكر أن المدينة التي ينتمي إليها الشاعر والفيلسوف الكبير “أبو العلاء المعري”، كانت مركزاً ثقافياً بارزاً، ما جعل الجامع الكبير شاهداً على ازدهار الحياة الفكرية في تلك الحقبة. مع اندلاع الحرب في سوريا وتعرض مدينة معرة النعمان لقصف عنيف من قبل قوات نظام الأسد البائد، لحقت بالمسجد أضرار جسيمة، شملت تهدم أجزاء من جدرانه وسقفه، إضافة إلى تضرر مئذنته ومرافقه الداخلية، وقد أثارت هذه الأضرار مخاوف واسعة من اندثار أحد أهم المعالم الإسلامية في شمال سوريا.
اليوم، يمثل مشروع ترميم الجامع الأموي في معرة النعمان خطوة أساسية في الحفاظ على التراث التاريخي والديني للمدينة، وإعادة إحياء دوره كرمز حضاري وروحي، بما يعيد وصل الحاضر بجذور الماضي ويؤكد على صمود الهوية الثقافية للسوريين رغم ويلات الحرب.