تنتظم حالة الصراع القائمة في المنطقة مستويات قد تبدو أحياناً غير منظورة ولا سيما حينما تكون الأحداث حامية وبدون عقل من الظاهر، وهنا وفي هذا السياق تماماً نجد أنفسنا أمام نطاقين متكاملين من هذه الحرب على سورية وفيها، أما النطاق الأول فهو الإحاطة بالوقائع والعمل على ضبطها في أصولها وتشكيلاتها وهذا توجه ضروري لأننا في مثل هذا الحال القائم لا نتحدث من فراغ أو على فراغ ولا يوجد في مثل هذا الحال ما هو افتراضي وهذه المشكلة تقع أساساً في المتابعة والمواكبة للأحداث وتنظيمها على مساراتها لأن النسق الوصفي هو الذي يشكل عادة مادة الواقع والتاريخ معاً غير أن هذا النطاق لا يستوفي بذاته أو بمفرده شروط الإحاطة العميقة بالصراع وأحواله، من هنا كان منطق البحث في الأحداث هو المخرج، أما منطق التحليل السياسي فهو المادة الواقعية مع ما يداخلها من نسب في الصدق أو الادعاء في تفسيرها وقد جاءت اللحظة التي يتوجب أن ننتقل بكثير من الثبات من منهج التحليل السياسي وهو الذي يبدأ عادة منذ تفجر الأحداث يجري عليها الاستطلاع ويحاول أن يواكب تحولات الوقائع والأحداث في الزمن القادم القريب والبعيد، أي أن حركة الاستيعاب الفكري والسياسي هي من القائم إلى القادم ومن هنا كان لا بد من الذهاب باتجاه البحث في الوقائع والظواهر التي تقع في عمق العدوان أو على محيطه، إذ إن البحث يقدم لنا نسق العوامل المؤسسة للسلوك العدواني ومدى تراتب أو تطور هذا السلوك، أي أن البحث يتناول الجذور والخصائص الراسخة، أما التحليل فهو يتناول إيقاع حركة الأحداث فيما بعد النشوء، وهكذا يكون الحل باعتماد منهج البحث في المقدمات والعوامل المؤسسة ومن ثم الذهاب باتجاه التطبيقات والشواهد التي تتواتر وتتراكم على قاعدة الزمن وإيرادات البشر، إن كل فقرات هذه المقدمة التي تبدو منسابة طويلة أحياناً هي الضرورات اللازمة الآن للمعرفة العلمية وللتعرف على كنه ما يجري من ألفه إلى يائه وبالتطبيق العملي نحن الآن أمام منظومة من الظواهر الموحدة في تصدير العدوان على الوطن السوري وقائمة هذه المنظومة تشمل الغرب بشقيه الأوروبي والأميركي والحركة الصهيونية والنظام السياسي التركي والرجعيات العربية ولا سيما في مشيخات الخليج وفي استطالات كل هذه المنظومة تأتي المفردة الأهم وهي التنظيمات والقوى الإرهابية، وعبر عملية الدخول والتداخل في عمق مفردات هذه المنظومة نجد أنفسنا وبحثنا أمام خصائص ثلاث موحدة ومتكاملة هي التي تؤهلنا لكي نكون على أقرب مسافة من حقيقة هذه القوى العدوانية.
1- الخاصية الأولى تتمثل في أن هذه القوى بمجموعها وعلى تنوع اصطفافها ودرجة المسافات الرابطة بينها، إنما هي ذات جذور تاريخية أي أن ظواهر سلبية متكونة ولكنها متطورة حسب ملامح الواقع ودرجة الحرارة فيه فالاستعمار والإرهاب لم يحدثا من مقطع زمني مقطوع عما كان ومسدود عما يجب أن يكون إن المنهجية العلمية ودرجة استيعاب علاقات هذه القوى فيما بينها ومع مشروعها العام كل ذلك يؤكد بأنها ذات طبيعة ولربما طبائع بنيوية وهذا ما يفسر لنا الآن درجة التكامل إلى حدود (الغرام والهيام) فيما بينها هذه هي تركيا منذ الأساس وهذا هو الاستعمار الغربي الأوروبي على وجه الخصوص منذ الأساس وهذه هي الحركة الصهيونية وهذا هو الناتج الإرهابي القائم بقواه وممارساته، لقد زرعوا بذرته من مئات السنين وسوقوه وغلفوه إلى أن جاءت لحظة إنتاش هذه البذرة وإطلاق أذرعتها المسمومة.
2- أما الخاصية الثانية فهي تقع في إطار بناء موقف الردع والرد على هذه القوى صاحبة المشروع العدواني وذلك يتأتى أصلاً وبنسبة كبيرة من خلال التعرف إلى الجذور البنيوية لهذه القوى الشريرة والتعرف بمعدلات أعمق لحقائق الروابط والضوابط التي تتقاطع أو تتناقص عندها هذه القوى.
3- والخاصية الثالثة تستوعبها مستويات وأطر الرد بما يعني الشمولية من جهة وبما يؤكد أن الصراع تاريخي مصيري، صحيح أن جوهره استعماري وظلامي ولكنه ما برح يمتلك ويراكم الخبرة العاتية في معدلات قهر إرادة الشعوب وفي اصطناع نظام أولويات متحرك والغافلون وحدهم هم الذين يتابعون الظاهر والمظهر على أهميته ولكنهم سرعان ما يقعون في حطب المعاناة من العدوانات المتكررة في كل مرحلة قادمة، إننا نلاحظ هنا هذا الافتراق ما بين طبيعة القوى المعادية والتي تقوم على أساس التكامل العضوي ما بين الجذور وما ينتج عنها، وما بين العمق وما يظهر منه على السطح أو ما يمكن أن يمتد ليكون مشهداً يصعب التخلص منه دون هذا الرد بمجموع القوى ومجموع الأسلحة المادية والمعنوية إننا هنا وفي التطبيق المباشر نعيش الحالة الصادمة للسياسات التركية الراهنة ولكي لا نقع في مطب الانفعال أحادي الجانب ولا تمنح ألقاباً إسلامية أو خلافية بصورة مجانية للظاهرة التركية علينا أن ندرك بأن تركيا هي من الأساس إلى أردوغان تركيا وأن الإرهاب كذلك هو الإرهاب.
د. أحمد الحاج علي
التاريخ: الاثنين 22-7-2019
الرقم: 17029