في معرض مديحه لرواية الدانماركي توم كريستينسن «هدم»، وصف صاحب نوبل للآداب (1930) كنوت هامسن، شوقه للقاء المزيد من شخصياتها، معترفاً: «أشعر بفراغٍ كبير حقاً بعد انتهائها»..
هل نشعر بالفراغ بعد قراءتنا لأي عمل إبداعي..؟
أم أن نشوة الامتلاء هي ما تجعل الحيرة سيدة الموقف فلا نقدر على تحديد ذاك النوع من التفاعل الحاصل بيننا وبين العمل، أو بيننا وبين أنفسنا جراء ما يثيره العمل..؟!
لعل سبب الحيرة ناجم عن عدم استطاعتنا القبض على مختلف أنواع القوى الكامنة في دواخلنا التي تحرّكها قوى أخرى كامنة في النص، أو أي عمل فني، وكل ذلك سببه موجة كاملة من أفكار تتصاعد من الأعمال الإبداعية..
وعلى رأي الفيلسوف جيل دولوز فإن السبب الرئيسي الذي يدفع الناس للكتابة عن السينما يكمن بأنها تتضمن عدداً فائقاً من الأفكار.
ليست بالطبع السينما وحدها.. من بين مختلف أنواع الأعمال الإبداعية والفنية، لكنها الأقدر لأنها توظّف ضمنها وتحرك في عجلتها الكثير من الفنون الأخرى.. وبالتالي هي منتج بارع للصورة، والتي هي بدورها حسب دولوز، «تمنح إمكانية التفكير».. تنتج كمّاً هائلاً من الأفكار التي ترتبط بحضور الصور.
وكل من يتابع السينما يصبح شغوفاً بخلق حالة مطاردة بينه وبين أفكار أرادها المؤلف ومن بعده المخرج..
وغالباً ليست تلك المطاردات التي نمارسها مع الأعمال الفنية أو الأدبية سوى نوع من مطاردة داخلية نبتغي من خلالها صيد لقى ذاتية.. عبر حوارات تتخلّق مع ذواتنا أو مع الآخر نتيجةً لوسيلة الفعل «المبدَع».
وفق ذلك يمكن اعتبار «المؤلفين الكبار في السينما مفكرين».. والخلاصة الطبيعية أن يكون الإبداع منتجاً للفكر.. ومجدداً له أيضاً.
حسب قول البعض «الحقيقة هي، فقط، ما يبدعه الفكر».. ولمّا كانت خلفية الإبداع/العمل الإبداعي ذات قاعدة «فكرية» يمكن الاستنتاج: الحقيقة هي، ببساطة، ما ينتجه الإبداع ويتفنن في إنتاجها ودوكرتها..
وكلّما تصاعدت وتيرة إنتاج الإبداع، زادت معها وتيرة الأفكار الجديدة.. وكل جديد يفترض ميزة الاختلاف وصولاً لخلق حالة التعدد.. وهو ما يشتمل على تعدد القراءات للمنجز الإبداعي.. وبالتالي تحصيل حالة «الامتلاء»..
لميس علي
lamisali25@yahoo.com
التاريخ: الخميس 25-7-2019
رقم العدد : 17033