تتعمد إدارة ترامب تعقيد الأوضاع وتفخيخها بالمزيد من التشابكات السياسية والميدانية، لمحاولة رأب التصدعات التي أصابت مشروعها التدميري في سورية، فتصعد على جميع الجبهات متكئة على تنظيماتها الإرهابية والانفصالية أولا، وعلى أدواتها الإقليمية والمستعربة ثانيا، بهدف تثبيت حضورها العسكري والسياسي لمنع تظهير أي حلول مستقبلية لا تكون مفصلة على مقاس أجنداتها المعدة في الأساس لخدمة المشروع الصهيوني الرامي إلى تقسيم دول المنطقة وتفتيتها عبر البوابة السورية.
في الشمال تمتطي إدارة ترامب السرج التركي، وترفع من وتيرة عقد التفاهمات الجانبية بين الطرفين مستغلة شهية أردوغان المفتوحة لتوسيع أطماعه في تلك المنطقة، وتعاود العزف على وتر «المنطقة الآمنة» المزعومة التي تطرب مسامع العثمانيين الجدد، لتضمن البقاء لميليشياتها الانفصالية «قسد» بعد أخذ الضمانات اللازمة بعدم التعرض لهم ريثما يستكملون دورهم الوظيفي المرسوم بكل عناية ودقة، وأيضا لتتمكن من تكريس وجودها الاحتلالي في الجزيرة السورية، بإقامة المزيد من القواعد والمطارات العسكرية بما يسهل عمليات تمرير النفط المسروق الذي بات بعهدة شركات أمنية عسكرية خاصة استقدمتها واشنطن لتقوم بدور كلب الحراسة على المنشآت النفطية، والإشراف على تنفيذ المهام القذرة الموكلة لمرتزقة «قسد».
وفي الجنوب تعيد واشنطن عملية استنساخ ممنهجة لفلول تنظيماتها الإرهابية المندحرة، وتنفخ الروح في غرفة «موك» مجددا بالاشتراك مع أجرائها البريطانيين والفرنسيين والبعض من أنظمة المشيخات، لمحاولة تشتيت انتباه الجيش العربي السوري، وصرف الأنظار عما يجري في منطقة خفض التصعيد من تحركات أميركية وتركية حثيثة لتعزيز تحصينات إرهابيي «النصرة» بريفي ادلب وحماة، حيث تفيد المعلومات بأن واشنطن تسعى جاهدة لتثبيت مرتزقة «النصرة» ومن يدور في فلكها الإجرامي بخانة «المعارضة المعتدلة»، وفرضهم كجزء من الأجندة السياسية بأي حل قادم للأزمة، بحيث يشكل أولئك الإرهابيون مع مرتزقة «قسد» ذراعاً سياسية وعسكرية دائمة لأميركا وتركيا، ويعملون على تنفيذ أجنداتهما في سورية والمنطقة.
التصعيد الأميركي في سورية لا ينفصل عن المساعي الغربية المحمومة لإعادة رسم ملامح المنطقة من جديد، وخاصة أن الحديث عن ملامح الشق السياسي في صفقة القرن تزداد وتيرته مع تكثيف الاتصالات والجولات لطاقم الصفقة الأميركية في المنطقة لتسريع الخطى نحو تمرير الصفقة، والتي كانت سياسة الهدم الجماعي لبيوت الفلسطينيين في القدس المحتلة أحد المؤشرات على هذا الأمر، بالتزامن مع التحشيد الأميركي والغربي ضد إيران، والذي سيزداد حدة مع تسلم بوريس جونسون رئاسة الحكومة البريطانية، وهو الذي يتطابق مع ترامب في الدعم المطلق لإسرائيل، كما يتماهى الجانبين في نزعة الانفراد بالقرار، والتنصل من الالتزامات الدولية، وهو ما ينذر بسيناريوهات خطرة على أمن المنطقة والعالم معا.
كتب ناصر منذر
التاريخ: الأحد 28-7-2019
الرقم: 17035