إن ما يجري من حوارات وطنية حول عوامل النصر الكامل، وثقافة الانتصار يشير إلى أن المؤسسات التوعوية ذات الصلة، أو الروافد الثقافية في عموم جهات الوطن ومراكزه ذات الاختصاص تتفاعل حركتها في اتجاهات التحديد المتجدد للوعي الوطني المطلوب، ولثقافة الوطن والمواطن على حد سواء ذلك أن الهزيمة الحقيقية لأي شعب حين يهزم ثقافياً وتضيع الخاصية التاريخية الوطنية لذهنه، ووعيه، وطريقة تفكيره، ومن ثم هويته. والنصر الحقيقي له حين تصمد ثقافته الوطنية، وتتجلّى مكونات وعيه بحرصه على ثوابته التي لا يتنازل عنها، كما تتجلّى قدرته على إنتاج المعرفة اللازمة له حتى لا يبقى النقل سيد الموقف في التفكير الوطني ليكون للعقل القدرة العلمية المبدعة على اجتراح الخصوصية من المعرفة العلمية العالمية العامة، وتحويل هذا المجترح إلى عناصر خالقة في الذهن الوطني المتحفّز نحو الجديد، والحداثة، وصناعة الحضارة بجانبيها الوطني القومي والدولي الإنساني. وفي تحديدنا للضرورات الوطنية في صناعة عوامل النصر، وترسيخها وتكريسها فكراً وعملاً تحضر أمام العقل التحليلي الوقائع الحية على الأرض، وفي حيوات الناس حتى يتم الانطلاق الوطني منها، ورسم الصورة الراهنة عبرها، ومن بعد التوافق على القواعد الكبرى للحيثيات المعرفية المؤدية إلى إنتاج الثقافة الشعبية الملائمة ثقافة الوطن المنتصر الذي يسوّغ للمعرفة أن تتّسق مع قيم انتصاره، ومعاني صموده، ووحدته الوطنية، والتاريخية. ومن المعلوم لدى الوطنيين السوريين من أصحاب الاختصاص أو أصحاب الاطلاع على أشكال تطور الحرب الإرهابية على بلدنا الغالي أن الضخّ الإعلامي الذي رافق المخطط التدميري لدولتنا وشعبنا تمّت فبركته في مراكز الأبحاث، والمواقع الاستخبارية لحلف العدوان الأمروصهيوني على سورية لكي يجعل من الافتراضي عبر وسائل الميديا الدولية، أو الاتصال الاجتماعي عبر الانترنت واقعاً تنخدع فيه الغالبية العظمى من الناس محدودي المعرفة، والعلم، فيصبح ما خططوه لشعبنا، ودولتنا، وجيشنا من الخارج ظاهراً على مشهد الداخل وكأنه من سنن التطور الداخلي، وكذلك ما حدث من دفعٍ مأجور للبعض الذين قد تغرّر بهم وكأنه طبيعة داخلية لشعبٍ يتولى زمام خياراته، ويتحرك من أجلها. وهناك أيضاً حرب المصطلحات حتى تفهم المعركة المركّبة التي شنّت علينا على أنها جهاد، وكفاح مشروع.
وبناء عليه بدأت الميديا المعادية تخلط المفاهيم لتتغير صورة الانتماء، والهوية، وسيكولوجيا الثقافة عموماً ويتعوّد الشعب في سورية على أن أهدافه الوطنية لا يستطيع تحديدها من مرجعيات الداخل الوطني، بل من المرجعيات الخارجية. ولا يستطيع البناء على معقولية المرجعيات الوطنية بمقدار ما هو مجبرٌ على أخذ المرجعيات الخارجية بعين الاعتبار لتصل الأمور إلى أن مفاهيم السيادة، والاستقلال، والقرار الوطني، والوطن، والوطنية، والقوم، والقومية، وحقوق الإنسان، والديمقراطية، والنظام السياسي، والدولة، والانتماء، والهوية، والخصوصية، والمشاريع الوطنية ليس من حق الشعب في الدولة الوطنية أن يحدّدها، بل عليه أن يتعوّد على تحديدها من الخارج ولو كان من الحلف المعادي لبلدنا.
وهذا يعني أنه مطلوب من شعبنا وفق الميديا الاختراقية الدولية، والتأثير التضليلي الإسلاموي المرتبط بأعداء الوطن أن يتدرّب على السيادة المنقوصة، والاستقلال المرتهن، والهوية المرسومة من الخارج، والثقافة المصدرة إليه، وأن يتبنّى ذلك كله دون إعمال العقل، والتفكير، باعتبار أن العقول المعادية هي صاحبة التفكير له، والتخطيط لوجوده، وبهذا نتوصل إلى أن ما يريدونه لنا في حرب المصطلحات هو أن يصلوا بنا إلى الاتّباع الكامل لهم، ولو ضاعت خصوصيتنا الجيوتاريخية، وسوسيولوجيا ثقافتنا العربية العريقة في الزمان.
وما يريدونه لنا في الحرب السيبرانية علينا هو أن ننهزم هزيمة افتراضية، وكم أشار السيد الرئيس بشار الأسد إلى مثل هذا الاستهداف حتى تتسع دائرة المعرفة الوطنية فيه وينتهي عند المناعة الوطنية للشعب، والثقافة الحصيفة لديه.
ومع أن الغرب المتصهين يجري دون تحفظ وراء مخططات الصهيونية ليحقق المشروع الصهيوني على حساب الوجود العربي والمصير ودلالة ذلك كله كانت صريحة بالأمس حين اختير جونسون في بريطانيا ليكون رئيساً للوزراء بدلاً من تيريزا مي حيث قال في أول تصريح له: «إنني صهيوني حتى العظم، وإسرائيل البلد العظيم الذي أحبّه» نعم هؤلاء هم القادة الأوروبيون اليوم، وترامب مازال الذي يسوق الجميع بسوط رعاة البقر الأميركيين، فإذا كان هؤلاء عاملين في فضاء الـ CIA، والإيباك اللوبي الصهيوني في أميركا، ودائرة الجوفز ستريت ذات التأثير في الاستراتيجيات الخارجية للبنتاغون أليس من واجب الوعي العربي العروبي الراهن أن يعيد النظر في العلاقة السياسية، والاقتصادية، والثقافية بهؤلاء حتى لا نبقى عند حدود المعرفة عنهم وحسب بمقدار ما نتقدم إلى صورة الإنتاج الثقافي المطلوبة منا ضدهم.
ولكي نكون منتجين لما يحصّننا، ويحمينا ولا سيما في الثقافة الوطنية الراهنة باعتبار أن الثقافة عند الأمم لها سمتاها المتلازمتان حيث هي في الهجوم ثقافة هجوم. وفي الدفاع والتحصّن ثقافة دفاع وخندق عصيّ. وهكذا الحال لدينا حين أفشل شعبنا كافة مظاهر إزاحة الوعي، والوطنية، والانتماء، والهوية التي مورست عليه، وهذا هو يتوجه إلى الحوار الوطني الذي يخلق المزيد من المعرفة للإنتاج الثقافي الوطني المطلوب وإعادة تنضيد الوعي بما تكتمل معه عوامل النصر القريب الناجز بتحرير إدلب، وشرق الفرات من رجس الإرهاب التكفيري، ورسم الخطوط الوطنية المنتمية للجنة الدستورية التي يحلم حلف العدوان بأن تحقق له بالسلم ما لم يستطع تحقيقه بالحرب حتى تكون إرادة الوطن وثقافة الوطنية هي الكفة الراجحة في أي دستور مزمع. وبناء عليه فالحوار الوطني اليوم هو الذي سيدخلنا إلى البناء على المرجعيات الوطنية القوية وعلى الإرث العروبي الوحدوي التحرري، وعلى ثقافة النصر بمكوناتها العلمانية والديمقراطية والتوحيدية، والسيادية.
د. فايز عز الدين
التاريخ: الاثنين 29-7-2019
الرقم: 17036