أحبطت انتصارات الجيش العربي السوري وحلفائه المشروع الأميركي-الأوروبي في خلق (شرق أوسط جديد) يتماهى مع مصالح الحلف المعادي لشعوب المنطقة، وأثبتت سورية دورها في التأثير على الصراعات الإقليمية والدولية بعكس ما خططت له الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون.
الأزمة التي عاشتها سورية منذ بداية ما يسمى (الربيع العربي)، لم تكن وليدة اللحظة التاريخية فحسب، بل تعود جذورها إلى مرحلة سابقة، حين تزايدت الضغوط الأميركية على سورية منذ غزوها للعراق عام 2003، بهدف إنهاء دورها الإقليمي في لبنان وفلسطين والعراق، ووضعه في خدمة السياسة الأميركية في المنطقة.
ومن الواضح أن السيد الرئيس بشار الأسد لم يخضع لرسائل التهديد التي حملها في تلك اللحظة المفصلية، وزير الخارجية الأسبق كولن باول، بل ازداد تمسكاً بالدور الإقليمي لسورية، وبالثوابت الوطنية والقومية للدولة السورية، التي تقوم على اعتبار القضية الفلسطينية تمثل جوهر الصراع العربي-الصهيوني، ومن ثم دعم المقاومتين الفلسطينية واللبنانية ضد الاحتلال الصهيوني، وأن السلام العادل والشامل في المنطقة لن يتحقق إلا بحل هذه القضية، بما فيها مشكلة القدس، استناداً إلى قراري مجلس الأمن 242 و338 ومرجعية مؤتمر مدريد، ومبدأ الأرض مقابل السلام، والانسحاب (الإسرائيلي) الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة، وحتى خطوط الرابع من حزيران عام 1967، وعودة الفلسطينيين إلى ديارهم، وإقامة دولتهم وعاصمتها القدس التاريخية.
من هنا، شكلت الحرب التجسيد الواقعي للاستراتيجية الأميركية العدوانية تجاه سورية، والتي هدفت إلى تقسيمها وتفتيتها، بعد الإخفاق في إخضاعها، وصعوبة تحقيق هذا الهدف بالغزو المباشر، كما حصل في العراق عام 2003.
يصادف اليوم الأول من شهر آب عيد الجيش العربي السوري الذي شكل رأس الحربة في محاربة وصد الإرهاب العالمي، عيد الجيش الذي أثبت للعالم ولقوى الشر الكونية أنه لا يكسر، وأن جنوده وضباطه لا يهابون مواجهة الموت والتضحية بأنفسهم في سبيل حماية وطنهم وشعبهم.. إنه الجيش العربي السوري.
ما حصل في السنوات الأخيرة، جعل من الجيش العربي السوري العمود الفقري للحيلولة دون ضياع الوطن وانهياره في مواجهة أشرس وأعنف غزو خارجي في تاريخ البشرية، وفي وجه أشرس هجوم لمحور الشر العالمي. هذا الزحف البربري الذي أراد السيطرة على سورية ومن ثم السيطرة على الشرق الأوسط.
لكن على غير المتوقع قلب الجيش العربي السوري الطاولة والميدان على رؤوس الغزاة، ومزق مخططاتهم الشريرة، ليجتمع بعد ذلك قادة العالم، وليعترفوا بقوة سورية وجيشها العظيم، معلنين إفلاس هجمتهم على سورية، وأن الجيش العربي السوري وقيادته على حق، وأعداءهم على باطل. تضحيات الجيش العربي السوري، وشجاعته، وحنكة قيادته، وعقيدته العروبية مكنته من هزيمة إمبراطورية الشر التي تحطمت أدواته على الأرض السورية، وتغيرت المعادلة، وأصبح المحور الذي يقف فيه الجيش العربي السوري هو المحور الأقوى.
لقد استطاعت عبقرية الجيش العربي السوري التأقلم سريعاً مع ظروف الحرب الحالية التي يخوضها ضد العصابات الإجرامية المسلحة والانتشار في مختلف المناطق على امتداد الوطن لحماية المنشآت العامة والخاصة من أعمال النهب والسرقة والتخريب والتعامل مع مختلف صنوف الأسلحة التقليدية والحديثة، كما تمكنت وحداته القتالية من أخذ زمام المبادرة في أكثر من منطقة، وتحقيق انتصارات خاطفة وسريعة على الإرهابيين.
وفي استحضار للتاريخ، لم نسمع أن جيشاً في هذا العالم خاض هذا الكم الهائل من المعارك المتنوعة، سواء أكان هذا التنوع لجهة الطبيعة الجغرافية أم لجهة الأسلوب والشكل أم لجهة الطريقة التي تدار بها المعركة، أم لجهة اجتماع عدة معارك مختلفة في الشكل والمضمون والمستوى على جبهة واحدة، انطلاقاً من أن معظم جيوش العالم تحاكي في خططها العسكرية الموضوعة والمرسومة الطبيعة، والظروف الجيو سياسية التي نشأ على أساسها جيش ذلك البلد والتي غالباً ما تكون ثابتة في المعارك والحروب.
لم يعرف عن أي جيش أنه حارب بطبيعتين مختلفتين إلى حدود التناقض أحياناً كما يفعل الجيش العربي السوري الذي لا يزال يخوض أصعب المعارك وأعقدها عسكرياً وتقنياً، بدءاً من حروب المدن والمناطق والبلدات والشوارع والأحياء الآهلة بالسكان والأماكن الحساسة والمعقدة ديموغرافياً، مروراً بحروب المرتفعات والجبال الشاهقة والتضاريس الصعبة والصحارى والسهول وحروب المناطق والأماكن التي تحوي منشآت حساسة ومواقع مهمة واستراتيجية كآبار النفط وسدود المياه ومحطات توليد الكهرباء، وليس انتهاء بحروب الأنفاق وحروب الحدود المتداخلة مع دول الجوار.
إنها بسالة وشجاعة أبطال الجيش العربي السوري التي كان لها ترجمة على أرض الواقع من خلال وقوفهم في وجه الإرهاب ومحاربتهم له دفاعاً عن تراب سورية. جيشنا قاتل بكل شرف وصمود وإخلاص الإرهاب المدعوم من دول الهيمنة الاستعمارية ودول البترو دولار، وحقق الانتصارات وأحبط المشاريع الصهيونية -أميركية، فاستحق كل التقدير والمحبة.
دائرة الدراسات
التاريخ: الخميس 1-8-2019
رقم العدد : 17039