الملحق الثقافي- عقبة زيدان:
في خطبه الخمس التي ألقاها على طلابه في بداية القرن التاسع عشر، يؤكد هيغل على أن تربية الذات هي تربية ترتقي بذات الفرد إلى الجوهر العام للروح. ثم يتابع هيغل كيفية التوصل إلى هذا الهدف، فيرى أن الإغريق جسدوا ثروتهم في لغتهم، ولهذا يجب أن تكون دراسة القدماء هي دراسة للغتهم بالدرجة الأولى. وهذا بالضرورة يتطلب الاغتراب عما هو خاص.
ليس الاغتراب هنا سوى انفصال مؤقت عن الذات الحالية، وهو فعال وإيجابي، لأن الروح يمكنها أن تدخل عالماً غريباً وقصياً، وبهذا تصل إلى ذاتها. وكما يقول هيغل، فإن عالم القدماء يتضمن سائر نقاط البداية، وسائر خيوط الرجوع إلى ذواتنا والتصادق معها، وإيجادها من جديد.
إن الخروج من الذات إلى الجوهر الأساس، لا يعدّ انفصالاً نهائياً وسلبياً، وإنما هو ترسيخ للذات وهضم لذلك البعيد عن الروح والذي يحتاج إلى إعادته إلى حياتنا، كي نكون قادرين على العيش. وأنه بهذا – أي الخروج – يبدأ التحرر باتجاه العودة إلى الذات مرة أخرى.
يختلف الغرب عنا بسبب تعدد اللغات وابتعادها عن لغة الإغريق. بينما نحن العرب، فما زلنا نتحدث اللغة نفسها، ولكننا لا نوليها اهتماماً كافياً، بل نراقب ما يفتتها ويوهنها، وكأن ما يجري من تخريب لها هو نتيجة طبيعية للتقدم.
ليس هناك من لغة تمتلك هذا الكم الهائل من الكلمات، ولا تلك البلاغة المحكمة، كاللغة العربية؛ إنها اللغة التي يمكنها أن تخلق نصوصاً إعجازية، لا يمكن للغة أخرى القيام به. إنها نحن؛ إنها ثروتنا العظيمة، إنها وجودنا.
التاريخ: الثلاثاء27-8-2019
رقم العدد : 17057