زرع الغيم في سماء بلاده فحصد المطر والجمال… سـيرغي يسـينين..شاعر روسيا الكبيـر..

عاش الشاعر سيرغي يسينين ثلاثين عاماً وحسب, لكنها كانت أعواماً ملأى بالجد والعلم والنشاط وأخذ يكتب الشعر وعنده من العمر تسع سنين حتى بلغت شهرته آفاق البلاد الروسية من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها, لا بل وتجاوزت هذه الشهرة روسيا وقرع جرسها في الكثير من دول العالم..
ولد يسينين في قرية كونستانتينفو في مقاطعة ريازان في مطلع تشرين الأول (١٨٩٥م) لأب فلاح فقير وسرعان ما انتقل إلى كنف جده الميسور, وفي قريته أنهى دراسته الإعدادية و انتقل إلى مدرسة المعلمين الكنسية في ناحية مجاورة, لكنه لم يشتغل بالتعليم, خاصة وأنه لطالما حلم بأن يصبح شاعراً مهماً في بلاده, وقد تحقق حلمه بالفعل..
سافر يسينين إلى موسكو حيث وجد فرصة للعمل في إحدى المطابع الشهيرة هناك..
دخل يسينين معترك الحياة السياسية في عمر مبكر في أوج الحراك الذي عاشته البلاد آن ذاك وحمل هموم الطبقة العاملة رغم نشأته وجذوره الفلاحية, وأخذ يتردد على جامعة شانيافسكي ويشارك في توزيع المنشورات السرية ليدخل سجل المتابعين من الشرطة هناك..
لكن المحطة الأكثر أهمية في عمر يسينين هي لقاؤه بشاعر روسيا الكبير ألكسندر بلوك وذلك عندما انتقل مسافرا حيث بلوك الذي كان يقيم في بتروغراد في العام (١٩١٥م), وقد أحسن بلوك ليسينين وقدم له كل الفرص التي كان يحلم بها, لاسيما في فرصة نشر شعره عبر أقوى دور النشر الروسية, ومن هناك من بتروغراد انطلق اسم يسينين وعم أرجاء البلاد وأخذت الأوساط الأدبية تتحدث عنه, وتقدمه كشاعر فذ في الصالونات والمنتديات الأدبية..
ظهر يسينين شاباً وسيماً رقيقاً لطيفاً به من الذوق والحسن وعمق اللغة ما أضفى مزيداً من السحر على حضوره, وارتفع صوته في أرجاء عموم البلاد, (فحمل في شعره صوت الزمن ونبضه) – كما وصفه د.ثائر زين الدين الذي يعود له الفضل في ترجمة وتقديم نبذة وافية عن هذا الشاعر الكبير وحياته وشعره, وذلك من خلال كتاب الجيب (من القطع الصغير) الذي نشره اتحاد الكتاب العرب وحمل الرقم (١٤٣), وقدمه مرفقا كهدية بالعدد (٥٧٧) لمجلة الموقف الأدبي الفصلية التي يصدرها الاتحاد دورياً، وحمل كتاب الجيب هذا عنوان إحدى قصائد الشاعر يسينين الشهيرة – وفي تقديمه الثر, أضاف الدكتور ثائر زين الدين: (غادر سيرغي يسينين الحياة باكرا في ٢٧ كانون الأول ١٩٢٥م, في لينينغراد )..
وأضاف د.زين الدين في تقديمه الجميل عن هذا الشاعر الفذ: رأينا شعره (شعر يسينين) يفوح بتلك السعادة المشوبة دائماً بمشاعر الحزن ؛ كما في قصيدته الرائعة «وأنهى الحرج الذهبي حديثه /بلغة البتولا المرحة», وسنورد مقطعاً من شعر الشاعر, حيث يقول يسينين:
هاقد جاء المساء الندي
يلتمع فوق نبات القراص
وأنا أقف إلى جوار الطريق
متكئا على صفصافة
ينبعث من القمر ضوء غامر
ينسكب فوق سقف بيتنا
ومن مكان ما في البعيد
أسمع أغنية العندليب.. راحة ودفء
كأنني جالس إلى الموقد في الشتاء
بينما تنتصب أشجار البتولا
كشموع كبيرة.. وهناك خلف النهر
يتراءى لي وراء حدود الغابة
الحارس النعسان, وهو يثير الضجة
بعصاه الميتة !
مات الشاعر يسينين في ظروف غامضة, وترجح معظم كتب الأدب الروسي أنه انتحر, كما أكد د. زين الدين في تقديمه لهذا الشاعر, ويضيف أن يسينين, وعلى الرغم من سنوات عمره القليلة, ترك إرثاً شعرياً غنياً جداً يثير في نفوسنا الإعجاب والغبطة.
يقول يسينين واصفا حاله: «يحزنني الآن أن التاريخ يعاني من مرحلة صعبة تقتل الشخصية الحية.. لاتجري الاشتراكية كما تصورناها, بل محددة وجامدة دون مجد ودون خيال.
أعيش فيها متضايقا ضيق من يبني جسرا إلى عالم غير مرئي, لأنهم ينسفون هذه الجسور ويقطعونها تحت أقدام الأجيال القادمة, طبعاً سيرى من يوهب البصيرة يومذاك هذه الجسور المغطاة بطحالب الفطر, ولكن يثير الأسى أن تبني بيتا لايسكن فيه أحد, وقاربا من الخشب لايبحر به أحد».
قدمت للكتاب «وحيدا وسط السهب العاري»، د.ناديا خوست التي وصفت الشاعر يسينين بأنه شاعر واجه العولمة الصهيونية, وأضافت في مقدمتها للكتاب, تحت عنوان موت شاعر الوطن: «تمنى يسينين سنة ١٩٢٥م, الهرب من موسكو بعد أن فقد صداقة غاليا بينيسلافسكايا التي كانت له الملاك الحارس, وتزوج حفيدة ليف تولستوي, لكن هذا الزواج بدا ضيقا على الشاعر, حلم أنه سيبدأ في لينينغراد حياة جديدة, سينشر جريدة, ويكتب شعرا, لكن أي بداية دون العلاج من السل والشفاء من الشراب» !.
جرت للشاعر مراسم جنازة وطنية حاشدة رسمية وشعبية، عبر فيه المسؤولون السوفيت آنذاك عن عمق حزنهم وأسفهم, وبكاه الشعب الروسي بأسى بالغ..
والحقيقة التي تلمستها خلال مراجعتي للكتاب, أن الشعب الروسي والمسؤولين تفاجؤوا برحيل يسينين باكرا, وأن إهماله – ربما غير المقصود- من قبلهم ترك فيهم غصة الندم والأسى, وقد ظهر ذلك جلياً في تأبينهم المهيب للشاعر الراحل.
ولم تزل حتى وقت قريب أشعار يسينين تجري على ألسنة الكبار والصغار الرجال والنساء والأطفال..
أخيراً لا بدّ من الإشارة إلى أن الكتاب يقع في (١٦٧), صفحة من الحجم الصغير, واحتوى ثلاثة فصول: الأول: مقدمة الدكتورة ناديا خوست, إضافة إلى تقديم خاص للدكتور ثائر زين الدين الذي ترجم نصوصاً اختارها للشاعر وجمعها في هذا الكتاب, إضافة إلى فصل أخير ضم فهرساً لمؤلفات الدكتور زين الدين, وآخر شمل إصدارات اتحاد الكتاب العرب من سلسلة كتاب الجيب حتى العام الجاري (٢٠١٩)، ويعد هذا الكتاب واحداً منها.
عبد المعين زيتون

 

التاريخ: الخميس 29-8-2019
رقم العدد : 17059

 

آخر الأخبار
70 بالمئة من طاقة المصانع معطّلة... والحل بإحياء الإنتاج المحلي  استفزاز إسرائيلي جديد.. زامير يتجول بمناطق محتلة في سوريا الفاتيكان يعلن وفاة البابا فرنسيس حمص.. حملة تعزيز اللقاح الروتيني للأطفال تستهدف ١٤٣١٤ طفلاً الخليفي: قطر ستناقش مع واشنطن تخفيف وإزالة العقوبات عن سوريا 4 آلاف معلم ومعلمة في إدلب يطالبون بعودتهم للعمل تأهيل محطة مياه الصالحية.. وصيانة مجموعات الضخ في البوكمال بدء التقدم للمفاضلة الموحدة لخريجي الكليات الطبية والهندسية "العمران العربي بين التدمير وإعادة الإعمار" في جامعة حمص توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم منح دراسية تركية لطلاب الدراسات العليا "التعليم العالي".. "إحياء وتأهيل المباني والمواقع التاريخية" "مياه اللاذقية"... إصلاحات متفرقة بالمدينة "صحة اللاذقية": حملة تعزيز اللقاح تستهدف أكثر من 115 ألف طفل تفعيل عمل عيادة الجراحة في مستشفى درعا الوطني "المستشفى الوطني بحماة".. إطلاق قسم لعلاج الكلى بتكلفة 200 ألف دولار إطلاق حملة تعزيز اللقاح الروتيني للأطفال بالقنيطرة الألغام تواصل حصد الأرواح.. رسالة من وزارة الدفاع للسوريين حول الملف الصعب وطويل الأمد صندوق النقد والبنك الدوليين يبحثان استعادة الدعم لسوريا سفير سوداني: نعارض أيّ شكلٍ من أشكال تهجير الفلسطينيين