عزة حيدر في صالة كامل..شـــــــاعرية الأفــــــق والفضــــــــاء الرحـــب..

يشكل معرض الفنانة عزة حيدر، الذي يقام في صالة كامل للفنون، امتداداً لأعمالها السابقة, على الصعيدين الأسلوبي والتقني، مع حضور تحولات على صعيد الموضوع، حيث غابت الزهور، التي برزت في بعض لوحاتها السابقة، واستمرت في رسم الطبيعة عبر الأجواء اللونية الشفافة والشاعرية البصرية المتفاوتة ما بين الواقعية والتجريدية، فهي ترسم المشاهد الطبيعية وتبسطها إلى الحد الذي يجعل بعض لوحاتها تنفتح أحياناً على مناخات لونية ضبابية واسعة، يظهر من خلالها المدى والأفق والفضاء الرحب، والأشجار وانعكاساتها في المياه، والتي تأخذ في أحيان كثيرة شكل الدائرة.
بين المرئي والمحسوس
ومن أجل الوصول إلى حالة متداخلة بين المرئي والمحسوس، تعتمد عزة على مبدأ الرسم التلقائي والعفوي أو مبدأ الانحياز نحو الاختصار والتبسيط والاختزال، مبتعدة كل البعد عن تفاصيل المشهد المرسوم وفق الطرق التقليدية المتبعة في الرسم الكلاسيكي والواقعي، وهذه اللوحات أنجزتها مابين عامي 2011 و2019، ووظفت فيها خلاصة وثمرة خبرتها التقنية, في وضع اللون المائي على سطح اللوحة.

فالفضاء الطبيعي الرحب يتحول من حالة إلى حالة، في ظل الابتعاد عن الصياغة الواقعية, حيث تميل إلى التعبيرية التي تزاوج بين ملامح المشهد الخلوي التعبيري وبين مؤشرات التجريد اللوني، الذي يظهر في بعض أجزاء اللوحة, حيث لا فواصل ولا حدود هنا بين حضور ملامح الأشكال، وبين غيابها أحياناً في بعض أقسام اللوحة.
هكذا تتجه لتمتين علاقتها بإيقاعات النغم الموسيقي البصري الشفاف، وبالمواضيع المحببة والأجواء الشاعرية والمناخات اللونية المتقاربة (تدرجات لون أو لونين أو ثلاثة ألوان في اللوحة الواحدة) والعلاقات التشكيلية التلقائية، في حركاتها المتنوعة والمتدرجة الى حدود التعتيم الضبابي، كل ذلك في خطوات تنقلها بين الواقع والتجريد للوصول إلى مايثير الجدل والنقاش في أوساط المتابعين والمهتمين والفنانين.
حساسية المائي
وهكذا نستطيع الحديث عن اختراق المظهر السطحي للطبيعة، في خطوات البحث عن التركيب الداخلي الذي يعمل عن تصعيد ميزة الشفافية التي توازن في أحيان كثيرة ما بين إشارات المظهر التعبيري، وحركات اللمسات اللونية التجريدية, التي تأتي من ضربات فورية ومباشرة ونهائية, لأن اللون المائي شفاف ولا يقبل التعديل، بخلاف اللون الزيتي الذي يمكن تعديله بوضع طبقة فوق أخرى, وهي هنا تحس بخطوات اللون الشفاف, وترسم بحرية وتغوص في تجربة تعبيرية متحررة تدمج ما بين الأشكال الطبيعية والتكاوين التجريدية وما تعكسه من تداعيات طفولية تزيد من أجواء الحرية والتلقائية.
ولوحاتها توصل المشاهد إلى دلالات وايحاءات الموسيقا البصرية, أي الموسيقا المقروءة بالعين، والتي تحددها فروقات لونية وخطية شديدة الحساسية، وهذه الحساسية تتعمق، يوماً بعد آخر، وتمنحها خصوصية، لأن أكثرية الفنانين يرسمون بالزيت والأكريليك، ومعارض اللوحات المائية تبدو قليلة قياساً الى الكم الهائل من اللوحات القماشية, التي تتدفق على معارض الفن التشكيلي.
وهذا ماحققته في لوحاتها، حين استعادت الأجواء اللونية الشفافة والمتقشفة, والتي لازمت تجربتها التي تتوضح معالمها الجمالية والتعبيرية يوماً بعد آخر.
إن الاهتمام برسم مواضيع الطبيعة، ولاسيما المدى والأفق المترامي الأطراف, جاء من تأثيرات نزعتها التأملية، ورغبتها في الانسحاب من ضجيج المدينة، والحياة الصاخبة، إلى الهدوء والطمأنينة، والارتماء في أحضان الطبيعة.
وفي معرضها ركزت لاستيحاء تنويعات النغم الموسيقي في خطوات الوصول إلى اللوحة – النوتة (فاللون هو موسيقا بصرية) لإيجاد معادلة جمالية بين اللغة البصرية واللغة السمعية، وتبدو في لوحاتها الجديدة، أكثر اقتراباً من مظاهر الدمج بين التعبيرية والتجريدية، في خطوات تفاعلها مع أجواء ودرجات لونية مختلفة ومتنوعة، وفي تأويلاتها الثقافية الحديثة.
رمادية الواقع
كأنها لا تريد الاستغراق في رؤية مايجري في العالم من حروب وويلات ومآس، فتمسكت بالمنظر الطبيعي في تجلياته وإيقاعاته المتنوعة للوصول إلى لوحة تشكيلية حديثة تحقق في أحيان كثيرة مسألة الغوص في التلخيص والتبسيط باحثة في أجواء اللون الرمادي أحياناً عن عوالمها الداخلية، فتتحول الأشكال (العناصر السهلية والبحرية والنباتية والأشجار وانعكاساتها في الماء وحركة الغيوم..) إلى اختصارات تتألق فيها في أحيان كثيرة الأضواء المحلية رغم بروز الألوان الخافتة والرمادية، المنتمية إلى الواقع الرمادي المعاش في كل لحظة.
هكذا نجد أن سنوات الحرب التي أنتجت خلالها لوحاتها، قد تركت تأثيرات جوهرية على لوحاتها المشبعة بألوان الواقع الرمادي, وفي أحاديثها التلفزيونية والصحافية تلقي الضوء على هواجسها ومواقفها من الفن والحياة, حيث تقدم استفاضات وتأويلات خاصة بها، وتكشف السر عن مراحل أو خطوات إنجاز لوحاتها الفنية وتحولات مواضيعها وألوانها.
وهذا يعني أن لوحاتها، تحمل مواصفات البحث عن لغة فنية مرتبطة بهواجسها الثقافية, لأن اللوحة الحديثة هي ثقافة قبل أي شيء أخر, قائمة على أساس التمرد والرفض لمجمل الطروحات الصالونية الجاهزة، وبالتالي فهي تقدم نفسها بجرأة الفنانة الواثقة من بحثها عن طروحات فنية وثقافية رافضة للنهج النموذجي الأكاديمي، وساعية لإيجاد ملامح لتنويعات تعبيرية جديدة متطورة من ذاتها ولذاتها، خارج إغراءات السوق الفني الاستهلاكي.
أديب مخزوم
facebook.com adib.makhzoum

التاريخ: الثلاثاء 3-9-2019
رقم العدد : 17064

 

آخر الأخبار
في سباق مع الزمن و وسط تحديات الرياح والتضاريس.. جهود لإخماد الحرائق   سوريا تقترب من رقمنة الشحن الطرقي    "موزاييك للإغاثة والتنمية الإنسانية" حاضرة في الاستجابة لمتضرري الحرائق   "الثورة" من قلب الميدان تتابع عمل فرق الدفاع المدني  الحرائق تتواصل في مواقع عديدة     استجابة لحرائق اللاذقية.. منظمة "IASO" تطلق حملة "نَفَس حقكم  بالحياة" السفير البلجيكي ببيروت في غرفة صناعة دمشق لتعزيز العلاقات الاقتصادية  ربط طلاب الكليات الهندسية في حلب بسوق العمل  متابعة المشاريع التي تُعنى بتحسين الأوضاع المعيشية للاجئين الفلسطينيين في حلب  وفد المنظمة العالمية للتحكيم الدولي في غرفة صناعة دمشق  الرئيس الشرع يصدر مرسوماً بتعديل بعض مواد قانون الاستثمار الشرع يشيد بجهود فريق تصميم الهوية البصرية الجديدة لسوريا مرسوم رئاسي بإحداث الصندوق السيادي لتنفيذ مشاريع تنموية وإنتاجية مباشرة والاستثمار الأمثل للموارد مرسوم رئاسي بإحداث صندوق التنمية للمساهمة في إعادة الإعمار مكافحة الفساد ليست خيارآ  بل أمراً حتمياً  توقيفات طالت شخصيات بارزة والمحاسبة مستمرة   "مهمشون" ومكافآت "شكلية"   ممرضون لـ"الثورة: الوقت حان للاستماع إلى نبضنا ليخفق قلب المهنة  من إدلب إلى دمشق..  "أبجد".. نحو مجتمع متضامن أساسه التعليم  تعزيز الجاهزية الرقمية في المدارس الحقلية الزراعية بحلب  BBC: طالبو اللجوء السوريون في بريطانيا.. بين القلق وانتظار قرارات لندن  وفرة في الغاز وندرة في المال..  مدير عمليات التوزيع: رخصة الغاز ليست مشروعاً تجارياً  قمة أممية للذكاء الاصطناعي.. توجيهه لخدمة أهداف التنمية المستدامة