ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم : لم يكن الأمر بحاجة إلى إعلان من تنظيم القاعدة في العراق عن «أبوته» لجبهة النصرة حتى يدرك الجميع أنها امتداد له, وجزء لا يتجزأ منه، وقد دلت عليها أعمالها الإجرامية على مدى عامين ونيف،
ولم تكن المسألة بحاجة إلى مبايعة الظواهري حتى نعرف أنها تتبعه في كل شيء وتعمل وفق أجندته، وقد قدّمت عشرات الشواهد والأدلة على أنها تدين له بالولاء والتبعية.
وفي الحالين، لم يكن هناك من يراهن على الانتظار حتى يكتشف وجود القاعدة أصالة عن نفسها، أو وكالة عبر جبهة النصرة ومشتقاتها في سورية، وقد أبرزت هذا الوجود غير مرة وأعربت عن الحضور المادي في الإرهاب تنفيذاً وتخطيطاً.
لكن على المقلب الآخر، كان هناك من يراهن على توظيفها حتى النهاية، وبينهم من رهن مصيره بحساباتها، ووضع كل أوراقه في سلتها، واعتمد على إرهابها ليسوّق أكاذيبه، وفي أحيان كثيرة ليعوّض فشله، وليستر عجزه، وتلاقى في ذلك.. المرتزقة مع قطاع الطرق.. وهواة السياسة مع صبيان المال.. والأجراء مع حماة إسرائيل.
فبعد أشهر من «الأخوة» في القتل والدمار والتخريب، يتقاطر مرتزقة العثمانية الجديدة وأجراء المشيخات النفطية على فك الارتباط و«تكفير» العلاقة مع جبهة النصرة التي أعلنت توأمتها مع تنظيم القاعدة في العراق، ولتختمها بولاء الطاعة للظواهري.
وبعد دفاع مستميت من قبل رموز خدمة المصالح الأميركية، وحراس الأطماع الإسرائيلية، عن جبهة النصرة التي كانت جزءاً لا يتجزأ من المعارضة، يعلو صوت التبرؤ منها فجأة، ويطفو على السطح موسم التوبة عن أي ارتباط بها، وتفتح السجالات وتدبج المقالات عن الأسرار والوثائق والأدلة، وتفتح الأدراج خصيصا للنبش في الماضي المسكوت عنه، والحاضر المرسوم له.
قد لا يحتاج الأمر إلى إثارة الأسئلة المتحركة، ولا للتذكير فيها، لأن الإجابة في أغلب الأحيان سابقة حتى للسؤال ومتقدمة عليه، لكن ذلك لا يعفي من التوقف عند مشهد التراكض على تقديم التوبة عما بدر من خطأ في التوصيف، وارتباك في التهرب مما وثقته التقارير الإعلامية ومحاضر الجلسات البرلمانية التي كانت تستمع بإصغاء إلى مذكرات الدفاع عن جبهة النصرة وأخواتها.
لا نعتقد أن المسألة بحاجة لكثير من الشرح، وقد أسهبت المفارقات الصارخة فيها على تقديم سيل من التفسيرات المطلوبة منها، وغير المطلوبة، ولن نستغرب أن يتفاصح عتاة الإرهاب في اعتبار جبهة النصرة خارجة على النص، وتقديم الفتاوى الطوعية التي تبيح القصاص منها على النمط السائد من فتاوى القصاص وتحليل الذبح.
ما يحتاج إلى توقف، هو التوقيت الذي أعلن فيه تنظيم القاعدة في العراق عن كنه العلاقة الشرعية التي تربطه بجبهة النصرة، بالتزامن مع ما أعلنه الظواهري حين نطق بما تريده أميركا وإسرائيل وأدواتهما في المنطقة، ومسارعة جبهة النصرة إلى مبايعة الظواهري مباشرة.
ما يصعب على المنطق أن يجد تفسيراً له، هو.. لماذا استغرق الأمر كل هذا الوقت ليتبين الخيط الأبيض من الأسود، في علاقة لم تكن غائبة عن أحد، ولا هي خارج إطار الواجهة القائمة على حسابات اللحظة التي يتم عبرها فرز المعادلات، لتكون الشكل الآخر من أشكال المواجهة في العلاقات الدولية!!.
السؤال ليس برسم الولايات المتحدة الأميركية والغرب وأساتذة الإرهاب الإقليمي ومصدريه العرب، بل هو في عهدة دول ومنظمات وأطراف وقوى مالأت في نظرتها وهادنت في علنها، وتواطأت في سرها، ولن يكون بمقدور الدول الثمانية اليوم ولا غداً أن تستمتع بدفاع خونة الوطن والأرض عن جبهة النصرة وقرارها بالولاء للظواهري، وإشهار ارتباطها بتنظيم القاعدة.
أوروبا التي «تفكر» في وضع جبهة النصرة على قائمة الإرهاب لاتزال، تصول وتجول عبر بريطانيا وفرنسا في سبيل تسليحها، والأميركيون الذين احتووا القاعدة فكراً وتنظيماً، أقرّوا حزمة مساعداتهم ولايزالون «يبحثون» في إعلان براءتهم من لوثة الظواهري وما علق بها من ولاة، وقد سبقهم في ذلك مرتزقتهم الذين يتقاطرون اليوم وكل يوم، من أجل لعق ما تفوهوا به، بعد أن فرط عقد السبحة!!