الملحق الثقافي:
صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب “معلم ألماني/هايدغر وعصره” للفيلسوف والمؤرخ الألماني روديغر سافرانسكي، ترجمة عصام سليمان.
يعد هذا الكتاب مدخلاً للتعرّف إلى الفيلسوف الألماني الشهير مارتن هايدغر، فهو يُحيط بحياة هايدغر من جوانب متعدّدة من شأنها أن تكوّن للقارئ صورة تكاد تكون متكاملة عنه، لا سيما فلسفته وأفكاره، وبعض المحطّات المفصلية والهامة في مسيرته وتجربته الفكرية والفلسفية والسياسية.
يقول المؤلف إن هايدغر ترعرع وسط التعارض بين الرومان والكاثوليك القدامى، والذي كاد أن يتحوّل إلى يسوعي آنذاك. بعد ذلك، يذهب المؤلّف للحديث عن انقطاع هايدغر عن دراسة اللاهوت، ليدخل حينها كلية العلوم الطبيعية في فرايبورغ من أجل دراسة الرياضيات والفيزياء والكيمياء، في الوقت الذي كان يدرس فيه الفلسفة أيضاً، دون أن يفكّر في التوقّف عن ذلك إطلاقاً. ثم ينتقل سافرانسكي إلى الحرب العالمية الأولى، وأداء هايدغر للخدمة العسكرية وزواجه.
كان مارتن هايدغر بالفعل معلّماً ألمانياً، جاء من مدرسة المتصوف المعلّم إيكهارت. وكما لم يفعل غيره، أبقى الأفق مفتوحاً أمام التجربة الدينية في عصر لاديني، واهتدى إلى فكرٍ يبقى قريباً من الأشياء، ويصون من السقوط في الابتذال. بدأ فيلسوفاً كاثوليكياً، لكنه قبِلَ تحدّي الحداثة. فلسفته تلائم الفرد في حريته ومسؤوليته، وتأخذ الموت بجدّية. تورط في السياسة وأصبح، انطلاقاً من أسباب فلسفية موقتة، ثورياً اشتراكياً قومياً، غير أن فلسفته ساعدته في أن يحرّر نفسه من المشهد السياسي. يمثّل اسم مارتن هايدغر الفصل الأكثر إثارةً في تاريخ الروح الألمانية في القرن العشرين. ويجب الحديث عن ذلك بخيره وشرّه، وفي ما وراء الخير والشر.
يتألف هذا الكتاب من خمسة وعشرين فصلاً. تناول الفصل الأول إرادة هايدغر أن يكون معلِّم البداية، وأيامه في بويرون ومسكيرش، وأيامه في فرايبورغ.
في الفصل الثاني، يتحدث سافرانسكي عن هايدغر بين أعداء الحداثة، وتأثير أبراهام أ سانكتا كلارا، ومسألة القيمة الماورائية للحياة، والمنطق السماوي، واكتشافه برنتانو وهوسرل، إضافة إلى تجفيف المثالية الألمانية، وفلسفة “كما لو”، وهروبه إلى القيم الثقافية.
في الفصل الثالث، يتناول سافرانسكي أخيراً، انقطاع هايدغر عن دراسة اللاهوت، وتسجّله في كلية العلوم الطبيعية في فرايبورغ ليدرس الرياضيات والفيزياء والكيمياء، مع استمراره في دراسة الفلسفة. قدَّم هايدغر نفسه بوصفه التلميذ المجدّ والألمعي لهوسرل الذي تركت بحوثه المنطقية أثرها فيه، وخاض إلى جانبه معارك جدلية ضد محاولة تفسير المنطقي بالنفساني.
في الفصل الرابع، يتناول المؤلف اندلاع الحرب العالمية الأولى، والأفكار التي سادت حينها، ويتطرق إلى التفلسف الهايدغري رغم التاريخ، وإلى تسييل السكولائية، وتحضيره أطروحة التأهيل للأستاذية.
في الفصل الخامس، يتناول سافرانسكي انتصار الفينومنولوجيا، وهوسرل وجماعته، متطرقاً إلى الشعر بوصفه الحنين الخفي للفلسفة، وإلى بروست فينومنولوجيّاً، وعلاقة هوسرل بهايدغر كأب وابن، وإلى حب هايدغر للحياة وحالاته الجنونية.
في الفصل السادس، يتكلم سافرانسكي على مرحلة الثورة، وعلى ماكس فيبر واقفاً ضد أنبياء المنصة، وتضخم أعداد القديسين. كما يبحث في التاريخ المبكر لسؤال الكينونة، وتجربة الحياة ونزعها، والتعولم، ودادائية هايدغر، وهايدغر والشاب إرنست بلوخ.
في الفصل السابع، يكتب المؤلف عن وداع هايدغر الكاثوليكية، وكيف يدرس المرء ساقطاً قوانين السقوط، وبداية صداقة هايدغر وكارل ياسبرز، ومحاضرته في الأنطولوجيا في عام 1923، خاتماً عن فاتحة الكينونة والزمان.
في الفصل الثامن عناوين عديدة: الاستدعاء إلى ماربورغ؛ شراكة النضال مع ياسبرز؛ أرواح ماربورغ؛ بين اللاهوتيين؛ حنّة أرندت؛ الحب الكبير؛ كفاح حنّة من أجل العلنية؛ انتصار هايدغر في الخفاء؛ الحياة تمثل أمام الروح صافية، وبسيطة، وعظيمة؛ ظهور الكينونة والزمان.
في الفصل التاسع، يستمر سافرانسكي في الحديث عن الكينونة والزمان عند هايدغر، سائلاً: أي كينونة؟ وأي معنى؟ وأين يبدآن؟ ثم ينتقل للحديث عن الدازاين مستعمرة أشنيات: الكل مترابط، وعن الكينونة، والخوف. يسأل ثانيةً: كم أصالة يحتمل الإنسان؟ ثم يقدم بدائل بليسنر وغيلين، ويتناول فلسفة هايدغر الأخلاقية، ومسائل القدر والحرية والدازاين الجمعي: جماعة أم مجتمع؟
في الفصل العاشر، يكتب سافرانسكي عن كارل شميت وتيليش وغيرهما، وعن حضور الروح، والاعتزام والعدم، وتحرر هايدغر من قسر التدريس، واستدعاء الدازاين، والسجال الكبير في دافوس: هايدغر وكاسيرر على الجبل السحري.
التاريخ: الثلاثاء9-10-2019
رقم العدد : 968