ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم : يستطيع الأردن أن ينفي حتى إشعار آخر كل ما يقوله الآخرون، وأن يكذب الوقائع والمعطيات وألا يعترف بالأدلة والقرائن حتى الدامغة منها، لكن هل بمقدوره أن يكذب ما يقوله الأميركيون،
وأن ينفي ما يتحدثون عنه وما يصرحون به، وهو الذي اعتاد على تصديق كل ما يقولونه سواء أكانوا «صادقين» في ذلك أم كاذبين، العلني منه والسري، الواضح فيه والمشفر؟!
نحن من جانبنا لا نصدق الأميركيين ولسنا بوارد ذلك اليوم ولا في أي يوم، لا نثق بما يقولونه ولا بكل ما يتم تسريبه من قبلهم سواء جاء بشكل مباشر ام عبر أدوات احترفت التسريبات الأميركية واختصّت فيها من صحافة وصحفيين ومن سياسة وسياسيين، وليس لدينا في ذلك مشكلة على الإطلاق، لكن هل بمقدور الأردن ألا يصدق الأميركيين وألا يأخذ بأوامرهم، وألا يتمعّن في تسريباتهم؟!!
وفي المقابل نحن نريد أن نصدق أن الاردن لا يمكن أن يخضع للابتزاز من قبل مشيخات الخليج، وأنه ليس بوارد المساومة على جواره، ونريد أن نقتنع أنه لا يقبل تحت أي شعار أن تكون يده مع اليد الإسرائيلية تتشابك في الخراب العربي، ولكن هل الأردن يريد ذلك وهل بمقدوره أن يعلن ذلك وأن يصارح الأميركي في ذلك وأن يواجه مشيخات الخليج فيرفض ابتزازها ويرفض إغراءات المال المسموم بخنجر الغدر الذي تلوح به السعودية وقطر؟!
ما نتمناه فعلاً لقطر عربي شقيق وجار أن يكون كذلك، وأن تكون كل التسريبات كاذبة وأن تكون كل الأدلة والقرائن والمعطيات خادعة وغير دقيقة، لأن في ذلك مصلحة لنا لا ننكرها، وفيها أيضاً مصلحة للأردن نحن ندركها أكثر من غيرنا، وما نرغب به أن يتطابق القول الأردني مع أفعاله، لا أن تتطابق الأقوال والأفعال الأميركية مع ما يسرّب ومع ما ينشر ومع ما يقال ويتم التحدّث به علناً!!
نريد أن نصدّق أنه لا يسمح بتسلل المسلحين والإرهابيين عبر حدوده، ونريد أن نثق بأنه ليس هناك معسكرات تدريب أميركية لهم وبإشراف مباشر، ونريد أن يكذب الأردن وزير الحرب الأميركية وأن ينفي وصول مئات الجنود الأميركيين تحت راية التدريب والجاهزية لأوامر البنتاغون القادمة، ونريد أن نصدق بأن الأردن لم يطلب نشر صواريخ باتريوت!!.
يبدو أن المسافة الفاصلة بين هذه وتلك هي المعضلة التي تحتاج إلى تفسير وشرح، والألغاز المتعددة الكامنة بين سطورها هي ما تتطلب من الأردن قبل غيره أن يوضحها أو أن يفك طلاسمها الصعبة على الهضم والتصديق، وأن يحاول الإجابة عن الأسئلة الحائرة والمتواترة: لماذا سرّبت وتسرّب أميركا كل ذلك، ولماذا هي من يبادر إلى الكشف عمّا تنوي فعله داخل الأراضي الأردنية، ولماذا هي من رسم ويرسم ما نتج من نتائج عن زيارة أوباما، وماذا طلب وما هي مفردات أمر العمليات الذي «أفهمه» علناً؟
ربما كان بمقدور الأردن أن يواصل دفن رأسه في الرمال، لو أن الأمر اقتصر على ما اعتاده من أدوار كانت تمرّ من خلف الكواليس وفي غفلة من الإعلام والاستخبارات أو بتواطؤ منها، غير أن المطلوب منه أن يفعل ذلك هذه المرة علناً، وأن أدوار ما خلف الستار قد أضحت خلف ظهرهم، ولم يعد مسموحاً لتلك الأدوار أن تبقى حبيسة الغرف المغلقة، أو أن تقتصر على أمر العمليات السري، بل اقتضت الضرورة أن يطفو على السطح، أن يسرّب بعضها الأميركي، وأن يصرح ببعضها الآخر أطراف ضالعة في دفع الأردن لهذا الموقع، لأن مشيخات الخليج لم تعد تدفع إلا على المصرّح به والمعلن عنه.
يخطئ الكثيرون إذا ما توهموا أن الخروج إلى العلن قد يعفيهم من الحرج أو يخفّف من تبعات ما يرتكبونه، وخطأ الأردن هنا لا يقبل القسمة على اثنين، ولا يقتصر على ارتدادات ما يحصل، وله فقط أن يتوقّف ويدقّق ويتمعّن في الرسائل التي يحملها وزير الحرب الأميركي في إطلالته القادمة على المنطقة حيث يتساوى «الكاذب» مع «غير الصادق» رضي بذلك متحذلقو الدبلوماسية أم رفضوا؟!!
a.ka667@yahoo.com