عامان بعد المئة على صدور وعد بلفورالمشؤوم عام 1917، الذي منحت بموجبه الإمبراطورية الاستعمارية بريطانيا لليهود الصهاينة وعدا بإقامة كيان لهم في فلسطين على حساب أهلها الأصليين بناء على المقولة المزيفة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وحتى اليوم لا يزال الفلسطينيون يدفعون من دمهم وأراضيهم وحرياتهم ثمن هذا الوعد المشؤوم، ليأتي الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد قرن على ذلك ليستكمل هذا الوعد الاستعماري بالإعلان عن ما يسمى «صفقة القرن» لتصفية الوجود الفلسطيني، وشطب فلسطين التاريخية وحضارتها عن الخريطة الجغرافية والسياسية في آن معا.
ووفقا للمعطيات السياسية فإن وعد بلفور كان بمثابة الخطوة الأولى للغرب على طريق إقامة كيان للصهاينة على أرض فلسطين استجابة لرغبات الصهيونية العالمية على حساب شعب متجذر في هذه الأرض منذ آلاف السنين.
وجاء هذا الوعد على شكل تصريح موجه من وزير الخارجية البريطاني آنذاك آرثر جيمس بلفور إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية بأمر من رئيس الحكومة البريطانية لويد جورج بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات تمحورت حول مدى قدرة الصهاينة على تحقيق أهداف بريطانيا والحفاظ على مصالحها في المنطقة.
وتظهر الوثائق التاريخية أن الحكومة البريطانية عرضت نص تصريح بلفور على الرئيس الأمريكي انذاك وونر ولسون الذي وافق على محتواه على الفور ونشره كما وافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسميا عام 1918 ليتبع ذلك في 25 نيسان عام 1920 موافقة المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر سان ريمو على أن يعهد لبريطانيا بالانتداب على فلسطين وأن يوضع وعد بلفور موضع التنفيذ حسب ما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب ليكتمل ذلك في 24 تموز عام 1922 بموافقة مجلس عصبة الأمم المتحدة على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في التاسع والعشرين من أيلول عام 1923 وبذلك يمكن القول إن وعد بلفور كان وعدا غربيا وليس بريطانيا فحسب.
وبعد أعوام قليلة من وعد بلفور في عام 1920، احتل الجيش البريطاني فلسطين بشكل كامل، وتم انتداب بريطانيا عليها من قبل عصبة الأمم «الأمم المتحدة حاليا» حيث تم إدارة الانتداب بفلسطين من خلال المندوب السامي البريطاني الذي مارس بالكامل جميع السلطات الإدارية والتشريعية فيها.
وفي عام 1948 خرجت بريطانيا من فلسطين، ووفق التاريخ الفلسطيني، فإن بريطانيا سلّمت الأراضي الفلسطينية لـ»منظمات صهيونية إرهابية مسلحة، وقد ارتكبت تلك المنظّمات الصهيونية مجازر عديدة بحق الفلسطينيين وهجّرتهم من أراضيهم لتأسيس الكيان الصهيوني عليها، فيما عُرفت هذه الحادثة فلسطينيا بـ»النكبة».
وبعد قيام الكيان الصهيوني عام 1948 على أرض فلسطين، واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، ولم تزل ترتكب جرائمها الموصوفة حتى يومنا هذا، فيما تواصل الدعم البريطاني والغربي لهذا الكيان باعتباره أداة وثكنة متقدمة لتنفيذ المشاريع الغربية الرامية إلى الهيمنة على المنطقة ونهب ثرواتها.
بعد إصدارها وعد بلفور المشؤوم قبل 102 عام، وعلى الرغم من تغير الظروف وتبدل الأدوار فيما يخص قيادة الولايات المتحدة للمحور الغربي وتراجع الدور البريطاني بشكل واضح إلا أن بريطانيا ظلت على الدوام جزءا أساسيا من المخططين والمساهمين في كل المشاريع التي تستهدف المنطقة ودولها، وحتى يومنا الراهن تواصل بريطانيا دورها التآمري ضد المنطقة العربية كجزء من التحالف الغربي حيث أسهمت بشكل فاضح إلى جانب حلفائها الغربيين في الولايات المتحدة وفرنسا إضافة إلى عملائهم الإقليميين والعرب بدءا بحكومة «حزب العدالة والتنمية» في تركيا إلى مشيخات وممالك الخليج في التآمر على سورية عبر دعم وتمويل التنظيمات الإرهابية التي عاثت قتلا وتخريبا فيها على مدى السنوات الماضية وأيضا في تسهيل تسلل الآلاف من الإرهابيين القادمين من مختلف بقاع الأرض إلى الأراضي السورية والانضمام إلى التنظيمات الارهابية فيها للمشاركة في سفك دماء السوريين وتدمير بلدهم وحضارتهم.
عامان بعد المئة على وعد بلفور المشؤوم، ولا يزال الفلسطينيون يواجهون الاحتلال بصدورهم العارية، وهم اليوم أكثر إصرارا على التمسك بخيار المقاومة سبيلاً لتحقيق أهدافهم المشروعة في التحرير والعودة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس .
كتب المحرر السياسي:
التاريخ: الأحد 3-11-2019
الرقم: 17113