ذكرى… تشيخوف كاتب معاصر لجميع الأزمنة..أدباء من مختلف أنحاء العالم يحيون ذكرى الكاتب الكبير في القرم
شاركت قبل أيام قليلةفترة وجيزةالعاشر الذي ساهم فيه قرابة ثلاثمئة من المبدعين من مختلف أنحاء العالم،من روسيا وعدد من دول الاتحاد السوفييتي السابق وأميركا وأوربا وآسيا، وأسعدتني اللفتة التكريمية باختياري رئيسا للجان تحكيم منح الجوائز على ثلاثة مستويات وفي عدة مجالات وخاصة الشعر الوجداني ونتاجات حول الطبيعة وفلسفة الحياة، وأنا أعتبر هذا الاختيار تكريما لبلدي سورية. وأسعدني بشكل خاص وجود الدكتور عبد الكريم الحسن الرئيس المناوب لجمعية روسار للصداقة الروسية السورية إلى جانبي في هذه الرحلة المميزة الغنية وحديثه الشيق الذي يحتاج فقط إلى حبكة قصصية.
أشرف على تنظيم هذه الفعالية الدولية اتحاد الكتاب الروس في القرم بمساهمة عدد من المؤسسات الثقافية الرسمية، وبدأ المهرجان بحفل نوعي مركزي رحب فيه رئيس المهرجان الكاتب – الشاعر أندريه تشيرنوف بالضيوف ولجان التحكيم والمساهمين منوها بمدى أهمية هذا الكاتب الذي بات إرثا إبداعيا لكل الشعوب.وألقيت الكلمات من مختلف بلدان العالم باللغتين الروسية والإنكليزية، وقدم عدد من الشعراء والأدباء وخاصة من ألمانيا والهند وبنغلاديش وصربيا وروسيا ومصر كلمات ودية معبرة سيطرت عليها النزعة الإنسانية التي تذكر إلى حد كبير بالنشاطات الإبداعية أيام الاتحاد السوفييتي، ثم ألقيت كلمتي بالروسية ومما جاء فيها: (من الممتع بشكل خاص أن يجري مهرجان تشيخوف في القرم الذي يشبه كثيرا بلدي سورية بالمناخ والطبيعة والناس.. وآمل أن يعم السلام في وطني قريبا ويعود القرم وسورية كتوءمين…).
جرت المسابقات بشفافية عالية، وتم اختيار الفائزين بموضوعية، والملفت للنظر بشكل خاص أن المشاركين لم يكونوا فقط من مناطق مختلفة وبلدان عديدة، بل وبأعمار متباينة حيث كان أصغر مشارك في العاشرة من عمره والأكبر قرابة الثمانين، نساء ورجالا وشبابا وفتيات من الطلبة والعاملين والضباط ومختلف المهن.. صحيح أنه كانت هناك أعمال عادية عابرة، ولكن كانت هناك أشعار مميزة حقا، وقد تبوأ أصحابها المراكز الأولى.
إلى جانب المسابقات كانت هناك نشاطات مميزة منها عرض للكتب، وحديث المؤلفين عنها وتعارف الأدباء.. ومن بين الأمور اللطيفة أنني تعرفت على عدد من الأدباء القادمين من مصر في المهرجان إذ لم تسنح الفرصة قبل ذلك للتعارف في بلداننا ومنهم الروائية هالة البدري والروائي فتحي امبابي والقاصة دوحة.. وكان نشاط تقديم واجب الاحترام مميزا حيث تجمع الأدباء عند التمثال الرئيسي للكاتب الكبير أنطون تشيخوف في مدينة يالطة ووضع زهور العرفان عند قاعدته، وإلقاء الكلمات المعبرة وتذكر أعماله ذات الشهرة العالمية.
كانت الجولة في منزل تشيخوف الريفي «الداتشا البيضاء» غنية وممتعة تفوح بعبق فترة حياة تشيخوف في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وسنواته الأخيرة بداية القرن العشرين، تم الحفاظ على أغراض تشيخوف الخاصة بعناية وأناة كما يتم الحفاظ على الأشياء المقدسة: مكتبه وأقلامه وأدواته وغرف النوم والطعام والضيوف وحتى الهاتف القديم الذي كان يستخدمه قبل أكثر من مئة وعشرين عاما.. كان تشيخوف مولعا بالنباتات والزراعة، ومن أقواله أنه لو لم يكن كاتبا لكان (بستانيا), ويلفت النظر أنه كان حريصا على زراعة بعض النباتات والأشجار النادرة بنفسه بما في ذلك بعض أنواع الورود التي تتفتح بشكل متعاقب فيكون لديه ورود متفتحة في كل الأيام، وحرص على زراعة بعض الأشجار الجميلة بما في ذلك أرز لبنان ومع مرور الزمن خلال أكثر من قرن باتت هذه النباتات عملاقة شاهقة وتغطي شجرة الأرز مداخل بيته.
في مدينة يالطة عاش تشيخوف آخر أيامه حيث كان مريضا بالسل.. ولكنه لم يتوقف عن الكتابة، ومن المعالم المميزة تمثال يمثل بطلي قصة تشيخوف السيدة صاحبة الكلبة في الشارع الرئيسي الموازي لشاطئ البحر خاصة أن جانبا من أحداث القصة يجري في مدينة يالطة التي ودعت تشيخوف جسدا واحتفظت بإبداعه الرائع خالدا في كل ملامحها الواقعية والروحية، فقد رحل هذا الكاتب الكبير في سن مبكرة (44 عاما) لكنه ترك إرثا إبداعيا هائلا يجعله بحق واحدا من أعظم كتاب القصة والقصة القصيرة في العالم ناهيك عن مسرحياته النوعية التي لا تنسى كالنورس والعم فانيا وبستان الكرز.
بقلم: أيمن أبو الشعر
التاريخ: الثلاثاء 5 – 11-2019
رقم العدد : 17115