ميخائيل ليرمنتوف دراما إنسان غريب الأطوار

 

الملحق الثقافي:إعداد: رشا سلوم:

لم يكن الأدب الروسي يوماً ما خارج دائرة الاهتمام بالناس وقضاياهم، من واقعهم كان حبره ونبضه، ولأجلهم كانت الروايات والقصص والمؤلفات والقصائد، وعندما يكون الأدب من أجل الناس البسطاء ومستقبلهم، في اي بلد من العالم، فهذا يعني أنه إنساني بامتياز، وهو ما يجعله أدباً خالداً لا يمكن لأحد أن ينساه. صحيح أنه قد تمر سنوات أو فترة من الزمن دون الانتباه، لكن الأكثر صحة أن ذلك مؤقت ولا يمكن أن يكون دائماً.
في روسيا كنز الأدب الذي عاش الحياة والفعل والخصب. لا يكاد يمر يوم دون أن تمر مناسبة للاحتفاء بشاعر أو كاتب أو مبدع، الجميع يحتفي به في كل مكان، قد يكون الأمر استعادة لسيرته، وتذكير الأجيال به، وقد يكون كشفاً عن الكثير من وقائع حياته غير المعروفة.
تمر هذه الايام ذكرى ولادة ليرمنتوف، وبهذه المناسبة أعدت وسائل الإعلام الروسية الكثير عنه، ومما نشرته مواقعهم ولا سيما روسيا اليوم عن حياته وإبداعه، نقتطف الآتي:
محطات في حياته
ولد ميخائيل يورييفيتش ليرمنتوف في الرابع عشر من شهر تشرين الأول من عام 1814 عند البوابة الحمراء لمدينة موسكو في عائلة ضابط متقاعد. بعد وفاة والدته باكراً (في عام 1817) قامت بتربيته جدته لأمه الغنية بعيداً عن والده. وقد قامت جدته بكل ما يلزم تجاه حفيدها الوحيد والمحبوب، ولم تبخل بالمال على تعليمه وتربيته. فقد تلقى تعليماً منزلياً ممتازاً: صار منذ الطفولة يجيد اللغتين الفرنسية والألمانية، وكان يجيد الرسـم والـعزف على البيانـو وعلـى الكمان.‏
وبسبب قلقها على صحة حفيدها الضعيف، قامت الجدة برحلات مرهقة إلى القفقاس (1818، 1820، 1825) بهدف العلاج بالمياه المعدنية. وقد تركت تلك الزيارات في ذاكرة ليرمنتوف آثاراً مدى الحياة ووجدت انعكاساً لها في أشعاره الباكرة: «القفقاس» 1830، «أحييك، يا جبال القفقاس الزرقاء! « 1832‏.
انتقل في عام 1827 للعيش في موسكو، حيث تابع تعليمه في واحد من أفضل المراكز التعليمية في روسيا – بانسيون خيري تابع لجامعة موسكو.. وهناك بدأ كتابة الأشعار وقد أدرك أن الشعر – رسالته. في هذه الفترة يظهر تأثير بايرون على أشعاره، فيكتب عدة روايات شاعرية «بايرونيـة» (الشركـس، الأسـير القفـقاسـي، المجـرم، الأخوين)؛ وفي عام 1829 ينوي البدء بملحمة «المارد»، التي سيتسمر في العمل عليها طول حياته.‏
في عامي 1830 – 1832 تابع تعليمه في فرع السياسة والآداب في جامعة موسكو. ولما لم يجد في محاضرات الأساتذة ما يرضيه، وبسبب إجاباته غير المُوقِرة للأساتذة، فقد تقدم بطلب استقالة واستقال من الجامعة في عام 1832.‏
1830 – 1831 هي مرحلة الذروة في إبداع ليرمنتوف الشاب. إذ كان يعمل خلالها بوتيرة عالية جداً؛ فقد جرّب على مدى عامين جميع الأجناس الشعرية: الرثاء، الرومانس أو الأناشيد، الإهداءات…إلخ. كما راح الشاعر يتطلع ويدقق في عالمه الداخلي محاولاً أن يعكس بالكلمة مكبوتاته الروحية غير القادر على التعبير عنها. بالإضافة إلى أنه لامس المسائل العامة للدنيا والحياة الجمالية للشخصية. إن دراما «الإنسان غريب الأطوار» هي بمثابة المحور في موتيفات السيرة الذاتية لشعره الغنائي في تلك الفترة.‏
ولكن كان واجباً عليه أن ينهي تعليمه. وقد خطط لأن ينجز ذلك في جامعة بطرسبورغ، إلا أنه كان سيضطر لأن يبدأ من جديد من السنة الأولى، باعتبار أنهم لم يكونوا ليحتسبوا له دراسته في موسكو نظراً لكونه مفصولاً من الجامعة، ولأنه لم يرد أن يخسر عامين فقد غير خططه بشكل حاد.‏
انتسب في أكتوبر من عام 1832 إلى مدرسة ضباط الحرس الملكي. حصل في عام 1834 على رتبة ضابط – حامل العلم في فوج الخيالة، الذي كان يتمركز في القرية القيصرية. إلا أن ليرمنتوف، وبعد أن شعر بنفسه طليقاً، كان يقضي أغلب أوقاته في بطرسبورغ. وقد كانت ملاحظاته ونتائج مراقبته لحياة الطبقة الأرستقراطية هي الأساس، الذي نشأت عليه مسرحيته «حفلة تنكرية» 1835 والتي خطط لها أن تكون كالتالي: «مسرحية هزلية على شاكلة وذو العقل يشقى»، مع التركيز على النقد الحاد للأخلاق السائدة في تلك الفترة. ولكنه عندما اقتنع بأن مسرحية «ماسكارا» لن تجتاز الرقابة، فقد عاد إلى النثر: بدأ يكتب رواية «النبيلة ليغوفسكايا»، حيث يظهر اسم بيتشورين لأول مرة. وقد ارتبطت اللحظات من السيرة الذاتية في الرواية مع النبيلة فيرنيكا لوبوخينا، التي حافظ الشاعر تجاهها على مشاعر عاطفية عميقة طوال حياته.‏
مقتل بوشكين
ولكن خبر مقتل بوشكين هزّ كيانه، فكتب في اليوم التالي قصيدته «في مقتل شاعر»، وبعد أسبوع – كتب الأسطر الستة عشر الأخيرة من تلك القصيدة، التي جعلته مشهوراً على الفور، والتي راح «الجميع» ينسخونها ويحفظونها عن ظهر قلب. على أثر ذلك وبتهمة «نشر وكتابة أشعار ممنوعة» تم اعتقال ليرمنتوف في 3 آذار من عام 1837.. وهو قيد الاعتقال قام بكتابة مجموعة من القصائد «السجين»، «الجار»، «صلاة»، «أُمنية». وبناء على أمر القيصر تم نفيه إلى القفقاس في الأول من نيسان. وفي طريقه إلى المنفى توقف ليرمنتوف لمدة شهر في موسكو، حيث كانت تجري الاستعدادات للاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين لمعركة بورودينو. وهنا يدقق الشاعر في قصيدته «ساحة بورودينو».. لتظهر في النهاية قصيدة «بورودينو»، التي ستنشر في مجلة «المعاصر» في عام 1837.‏
في المنفى تعرّف ليرمنتوف على الديسمبريين، الذين كانوا ينفذون عقوبة النفي أيضاً. وهناك، إلى جانب الشعر، راح ليرمنتوف يمارس الرسم المائي، ويرسم بالزيت كاشفاً عن نفسه كفنان تشكيلي موهوب.‏
عملياً، إن كل ما كتبه ليرمنتوف في الفترة بين النفي الأول والثاني، إنما هو مرتبط بشكل رئيسي بالقفقاس؛ فقد وجدت موضوعات وصور القفقاس انعكاساً في إبداعه: في أشعاره الغنائية، وفي رواياته الشعرية، وفي روايته «بطل من هذا الزمان» 1838. بل وفي الكثير من رسومات ولوحات ليرمنتوف – الفنان التشيكيلي الموهوب بحق.‏
في عام 1838 وبفضل جهود جدته وشفاعة جوكوفسكي، تمكن ليرمنتوف من العودة إلى بطرسبورغ، حيث راح يزور المسرح بشكل يومي تقريباً. كما أنه أقام علاقة صداقة مع جوكوفسكي. وفي هذه الفترة ظهرت للعلن بدون توقيع قصيدته «نشيد عن القيصر إيفان فاسيلييفيتش»، التي لم تسمح الرقابة بنشرها من قبل.‏
وفي عام 1839 يتقرب من هيئة تحرير مجلة «أوراق وطنية»، وبالتدريج يدخل في حلقة أدباء بطرسبورغ، حيث يزور أمسيات شعرية ويلتقي مع تورغينيف وبيلينسكي. وتتطلع إليه الأوساط التقدمية على أنه أمل الأدب الروسي. «لقد ظهرت في روسيا موهبة أدبية عظيمة – ليرمنتوف» – أعلن بيلينسكي.‏
ولكن في عام 1840 وعلى أثر مبارزته مع ابن المبعوث الفرنسي، تم نقل ليرمنتوف إلى كتيبة المشاة المشاركة في الأعمال العسكرية في القفقاس. وقد شارك في المعارك وقام «بتنفيذ المهمة الملقاة على عاتقه بشجاعة نادرة وبكل دم بارد». في بداية شباط 1841 حصل ليرمنتوف على إجازة لمدة شهرين، وجاء إلى بطرسبورغ وفي نيته تقديم استقالته من الخدمة والبقاء في العاصمة. ولكنهم رفضوا لـه ذلك كما رفض القيصر نيكولاي الأول الاقتراح بمنحه وساماً وذلك بالرغم من الشجاعة التي أبداها ليرمنتوف في معركة نهر فاليريك. بل أكثر من ذلك، طُلب منه أن يغادر بطرسبورغ في مدة أقصاها 48 ساعة وليلتحق بكتيبته في القفقاس.‏
وفي طريق عودته إلى القفقاس، تقدم ليرمنتوف بطلب السماح لـه بالتوقف في مدينة بياتيغورسك من أجل العلاج. وقد كتب هناك في دفتر يومياته آخر قصائده: «الجدل»، «الجلمود»، «الورقة»، «الحلم»، اللقاء «، النبي»، وحيداً أخرج إلى الدرب « وغيرها.‏
ويشاء القدر أن يلتقي هناك بأصدقائه القدامى ومن ضمنهم زميله في الكلية العسكرية ن. مارتينوف. وفي إحدى الأمسيات وبعد المزحة المهينة التي رماها ليرمنتوف لـه، فقد دعاه مارتينوف إلى المبارزة. وقد تمت المبارزة في 15 حزيران من عام 1841. «لقد أصابت الأدب الروسي المسكين خسارة عظيمة جديدة» – كتب بيلينسكي. لقد قتل الشاعر.‏
تم دفن ليرمنتوف في مقبرة بياتيغورسك. ولكن فيما بعد وبناء على طلب جدته، تم نقل الرفات إلى مقبرة العائلة في بلدة تارخانا.‏

 

التاريخ: الثلاثاء5-11-2019

رقم العدد : 972

آخر الأخبار
الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها