لم يكتفِ الأديب والفيلسوف النرويجي «جوستاين غاردر» الذي رأى مقدار خيبة العالم وانطفاء دهشته، وموتِ فلسفته واختفاء غايته.. لم يكتفِ بدعوة الإنسان إلى التطور عبرَ الإقامة ما بين الدهشة والتساؤل، وصولاً إلى حوارٍ عقلاني-إنساني. ذلك أنه دعا أيضاً، ومن خلال مقالاته اللاذعة والساخرة، إلى الكفِ عن دعمِ ومساندة إسرائيل، وعن رفض الحربِ التي شنّتها عام 2006 على الشعب اللبناني..
إنه ما دعا إليه ونشره في أشهر الصحف النرويجية، وهو ما أدى إلى سخطِ إسرائيل ومن يساندها ممن أدانوا مقالته التي اتُّهم بسببها بمعاداة السامية.. جداً استفزَّتهم مقالته، ولاسيما دعوته:
«يجب علينا ألا نعترف بشيء اسمه دولة إسرائيل.. علينا اليوم أن نعوّد أنفسنا على فكرة أن إسرائيل بشكلها الحالي، ليست إلا شيئاً من التاريخ.. نحن لا نؤمن بمفهوم شعب الله المختار، ونضحك هازئينَ بادعاء محارق هذا الشعب ونبكي بسبب خطاياه. إن الظهور بمظهر شعب الله المختار ليس غباءً وتكبُّراً وحسب، بل هو جريمةٌ ضد الإنسانية، نطلق عليها عادةً تسمية «العنصرية».
هكذا بدأ مقاله الذي صبَّ غضبه فيه، على إسرائيل التي أفقدته صبره بجرائمها وأسلحتها وحروبها وما تدَّعيه، ومن وعودٍ إلهية، لم يكن أبداً يؤمن بها، بل اعتبرها وهو المعروف بقيمهِ وقول فلسفته الواعية:
«نحنُ لا نؤمن بالوعود الإلهية دافعاً للاحتلال والفصل العنصري، فقد تركنا العصور الوسطى وراء ظهورنا. إننا نبتسم بأسى في وجه من يظنون أن ربَّ الحَرْثِ والأنعامِ والمجرّاتِ قد اختار شعباً ما ليكون المُفَضَّلَ لديه، مانحاً إياهم ألواحاً حجريةً وأَجَماتٍ مشتعلةً ورخصةً للقتل»..
أما أكثر ماأغضب إسرائيل ورعاة شرّها، فليس فقط إدانته لسياستها، ومعارضته لاقترافاتها، بل وتماديه في تحدي سياستها القمعية. أيضاً، تحريض الغرب على إدانتها ورفضِ ومواجهة هذه السياسة التي قال عن خروقاتها الظالمة والعدائية:
«لقد خرقت إسرائيل بسلاحها المقرف، كل ما يتعلق بحقوق الشعوب والاتفاقيات الدولية وعدداً لا يحصى من قرارات الأمم المتحدة، وهي منذ ألفي عام لا تصغي لدعواتنا الإنسانية..»..
أيضاً، ينوه إلى الدور الأميركي المساند الكبير لسياسة إسرائيل والداعم لها حتى في أطماعها التي لم تكتفِ باحتلال فلسطين، بل وبالتطلع إلى المزيد من مياهها وأراضيها وقُراها، مستعينة بمباركة الربِّ الذي لا يعرف الكاتب لِم تدعو بأن يباركها ويبارك أميركا، لا أن يبارك العالم كلّه..
كل هذا يورده «غاردر» الذي يعيد ويُكرِّر غضبه وعدم اعترافه بدولة إسرائيل التي يستنكر سياستها، ولشعوره بأنها لابدّ أن تسقط فتصيرُ في شتاتٍ، وبسبب عدوانية اقترافاتها.. يشعر بذلك، فيختم ساخراً منها، ومُذكراً إياها بجحودها وظلمها للفلسطينيين واللبنانيين، ولمن شردتهم واحتلت أرضهم وقصفتهم إلى أن دعاهم إلى ما قال فيه، عملاً بمقولةِ «العين بالعين»:
«إنهم في تعرضهم للأذى كالحلزون من دون قوقعة، تماماً مثل القوافل البطيئة من اللاجئين الفلسطينيين واللبنانيين، عُزَّلٌ لا من السلاح بل من أي وسيلةٍ للدفاع كالنساء والأطفال والعجزة في قانا وفي صبرا وشاتيلا. امنحوا اللاجئين الإسرائيليينَ مأوىً، امنحوهم اللبنَ والعسل»..
هفاف ميهوب
التاريخ: الجمعة 8-11-2019
الرقم: 17118