يُصْدَمُ المرء في كثير من الوقت، بمفارقات تجعله يفتح فمه لعجب أو لهول ما يرى أو يسمع. أن تحيا سورية بكل الحب الذي يسكنها وأهلها لجيرانها، مُناصِرَةً إياهم في كل ملمة ونائبة، ملبية طلبهم بما تملك من عاطفة إنسانية، وتواجَه بكل البغض والحقد.
مفارقة غريبة تصدمها من لبنان الشقيق، في لحظة انفصام له عن الواقع، لبنان الذي حملت عن كاهله شرف الدفاع عنه، عند تحريره من الصهيوني الغاشم المحتل الذي دخل بيروت، وإلا كان ليبقى لزمن غير معروف بعدما دنس شارون أرضه الطيبة.
نراه يواجه سورية بكل الحقد بعد مقتل الحريري وجميعهم واثقون أنها بريئة تماماً، وأن الصهيوني خَلْفَ كل عنف يستهدف الأمة، أفراداً أو جماعات لفصم العرى بين دولتين مثل سورية ولبنان، أو بين مكونات البلد الواحد كما حدث في لبنان والعراق.
والفارقة الأكبر من أردوغان الذي فُتِحَتْ له بوابات سورية بعد قرن من النفي عنها وعن الأمة العربية، ليتنقل فيها ضيفاً (عزيزاً) ما حسبنا الغدر بين جنباته، وفي نظراته الراصدة لخيرات بلادنا، وأماكنها الاقتصادية لتكون فريسة دسمة يسرقها.
لم يخطر ببال أحد أن اللص المختلس كان يبيت الضغينة بحسدٍ لسورية، لعلّ طيبتنا وإيماننا بحسن الجوار حجب عن فكرنا وناظرنا موجات الحقد الأسود، الذي بيَّته لسورية وشعبها، أهي الغيرة لرجل مثله من قائد مثل سيادة الرئيس بشار الأسد، ربما
طيبتنا أغفلت عنا الشك بأنه اليد الطولى، والتلميذ الأكثر التزاماً، لينفذ تعليمات السيد الأميركي، والمؤسسة التي لا يمكنه الحياد عنها (الناتو) والحامي لمجاميع الإرهابيين متزوداً بحلمه الطوراني، إلى أن تورَّطَ بالغوص في مستنقع اختراقِهِ أرض سورية.
مفارقة كبرى تدهش الرائي والسامع.. في صورة أطفال المناطق المحررة من الغزو التركي يقذفون بالحجارة دبابات وآليات وجنود الأتراك، وهم ينسحبون من الأراضي السورية، صورة تغاير وجوم الشعب العراقي أمام غزو دبابات الأميركي المحتل.
مفارقة أشغلت الإعلام العالمي، الرئيس الأسد على خط الدفاع الأول في الهبيط بين جنوده، المدافعين عن جغرافية الوطن، مع أنها ليست المرة الأولى، يتحدث بأريحية وشفافية مطلقة مسمياً الأشياء بمسمياتها، بينما أردوغان عند بوتين يفتح الخريطة السورية، الأسد قائد جيش يحرر أرضه.. وأردوغان لص يسرق الأرض السورية.
مفارقة كبرى، سورية والمقاومة هاجسهما فلسطين، وأن لا تحيد عنها البوصلة قيد أنملة، والسعودية والخليج يهرولون للتطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين سورية تصرّ على حق العودة لأهلنا الفلسطينيين، ودول تضع ذاتها في الخانة العربية وتوافق على توطين الفلسطينيين في غير أرضهم، وتدعم صفقة القرن.
وكل مرة نعيش المفارقة ذاتها التي تُتَّهم فيها سورية مع كل انتصار؛ باستخدام الكيماوي وسورية خالية منه، والعالم يعلم، وينام على حقيقة استخدام الإرهابيين له ويهمل طلبها بالتحقيق المشترك في خان العسل وغيرها لأنها تثبت إدانة أعدائها.
والمفارقة المذهلة هي في الساحة الداخلية، تحيّر المواطن السوري؟! حيتان السوق تلتهم جيوب المواطنين لتنتفخ كروشهم أكثر. ويزداد عددهم وينفشون كحبات الذرة تلامسها النار، مع ازدياد الذين لا يعرفون كيف يكملون الشهر خجلين من أطفالهم.
وطن مازال صامداً، شعبه محكوم بالأمل، مفعم بالتفاؤل، مؤمن بالنصر، محاصر بعنف. ثرواته تنهب. ينمو ويتنامى بإرادة التحرير والتصميم على الإعمار ومواجهة الصعاب وحدَّتِها، ودول يعيش حكامها بالطول والعرض، وشعبها جائع بائس يائس.
لو أردنا تعداد المفارقات التي تحيق بدول العالم، والوطن العربي، ودول الإقليم، لما كفانا مداد بحر، وقراطيس بعدد أوراق شجر غابة. هي الحياة بين يدي من يحياها. تكون كما يكتب هو فصولها، ونهاية كل فصل هو من يختاره..
فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا
شهناز فاكوش
التاريخ: الخميس 14 – 11-2019
رقم العدد : 17122